قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

بعض شبه القائلين بالرؤية - والرد عليها

صفحة 47 - الجزء 1

  أما سائر أهل هذه المقالة فإنهم لما وقعوا في مضائق هذا المذهب، وعجزوا عن المجادلة عنه قالوا: الإيمان بالرؤية واجب، والسؤال عن الكيف بدعة، هذا آخر ما احتجوا به على مذهبهم.

  وقال ضرار بن عمرو - من المجبرة - حين أعيته الحيل: إن الله تعالى يُرى يوم القيامة بحاسة سادسة، وإنما قال ذلك هرباً مما لزمهم من أن الرؤية لا تقع إلا على الأجسام و ... إلخ، فاخترع لدفع ذلك هذا القول.

  أما الحشوية والمجسمة والمشبهة فأثبتوا رؤية الله تعالى كرؤية المرئيات من الأجسام، ولم يتحاشوا عما لزمهم، وقالوا: قد صح حديث: «سترون ربكم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر»، واستدلوا بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}⁣[القيامة].

  والجواب على الآية والحديث هو: أما الحديث فنقول:

  ١ - إنه حديث آحادي مصادم لأدلة العقول، وما كان كذلك فيجب تأويله إن أمكن، وكان له وجه صحيح، وإلا فالواجب طرحه ورده.

  ٢ - الحديث من أخبار الآحاد، وعند تكامل شروط الصحة فغاية ما يفيد الظنُّ، والمطلوب فيما نحن فيه العلم، وقد قال تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}⁣[يونس: ٣٦] لذلك فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث، لأن المطلوب العلم وهو لا يفيد - إن صح - إلا الظن.

  ٣ - الحديث من رواية قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي، وقيس مطعون في عدالته، فقالوا: إنه كان يرى رأي الخوارج، ويبغض علياً #، بالإضافة إلى أنه روي أنه خولط في آخر عمره، وقبل الاختلاط كان متولياً لبني أمية ومعيناً لهم على أمرهم.

  هذا، مع أنه يمكن تفسير الحديث وتأويله على فرض صحته بما يوافق الأدلة الأخرى فنقول: معنى الحديث: «ستعلمون ربكم .... إلخ»،