قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

بعض شبه القائلين بالرؤية - والرد عليها

صفحة 48 - الجزء 1

  وذلك لأن الرؤية تستعمل في لغة العرب بمعنى العلم استعمالاً كثيراً، من ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ}⁣[البقرة: ٢٤٦]، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ}⁣[البقرة: ٢٥٨]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ... الآية} فالرؤية بمعنى العلم في هذه الآيات، ونحوها في القرآن كثير.

  وأما الآية فالجواب هو: أن النظر كما يستعمل في رؤية العين يستعمل بمعنى الانتظار كقوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}⁣[النمل: ٣٥] أي منتظرة، {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}⁣[الحديد: ١٣] أي انتظرونا، {وَقُولُوا انْظُرْنَا}⁣[البقرة: ١٠٤] أي انتظرنا.

  قالوا: النظر إذا كان متعدياً بـ (إلى) فلا يكون إلا بمعنى رؤية العين.

  قلنا: ليس الأمر كذلك، فقد جاء النظر في القرآن متعدياً بـ (إلى) مع أنه لا يراد به نظر العين، وذلك في قوله تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ}⁣[آل عمران: ٧٧] فإن المعنى هنا ليس رؤية العين، بل المراد الرحمة، أي: لا يرحمهم.

  وفي قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ١٧ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ١٨}⁣[الغاشية] ليس المقصود نظر العين، فإن المعلوم أن المشركين كانوا بصراء ينظرون بأعينهم إلى الإبل والسماء والأرض، وإنما المقصود بالنظر التفكر والتدبر والاعتبار، وحينئذ فلا ينبغي الاستدلال بالآية على رؤية الله تعالى، وذلك لكثرة المعاني التي تحملها كلمة النظر، فإنّ كثرة معاني الكلمة مما يوقع في اختلاط المعنى المقصود واشتباهه والتباسه، وقد سمى الله تعالى ما كان كذلك متشابهاً؛ لما فيه من اشتباه المعاني بعضها ببعض واختلاطها واختلافها.