قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

والله تعالى لا يجوز عليه الفناء

صفحة 55 - الجزء 1

والله تعالى لا يجوز عليه الفناء

  اتفق المسلمون وأكثر أهل الملل الكفرية على أن الله تعالى لا آخر لوجوده، وأنه لا يجوز عليه الفناء والعدم {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ...}⁣[الحديد: ٣].

  ودليل ذلك أن الفناء لا يكون إلا بسبب قدرة قادر، والله تعالى ليس من جنس المقدورات التي يصح أن تتوجه إليها وتتعلق بها قدرة القادر، لذلك قلنا إن الله تعالى لا يجوز عليه الفناء.

  وللمعتزلة هنا فلسفة عليلة، فقال بعض منهم في التدليل على استحالة الفناء على الله: صفة الوجود أمر زائد على الذات، والذات هي التي أوجبت الصفة، فالذات علة، وصفة الوجود معلولها، وقد ثبت أن الذات ثابتة في الأزل، ومعلولها الذي هو صفة الوجود لا يتخلف عنها، وحينئذ فيلزم وجوده في الأزل، ويستحيل عليه الفناء؛ لوجود العلة المقتضية لوجوده في الأزل.

  وقال بعض منهم: بل لأن الصفة الأخص أوجبت له تعالى الصفات الأربع و ... إلخ.

  والجواب: أنه لا علة ولا معلول - كما سبق - في ذات الله تعالى وصفاته، وأن القول بذلك قول خارج عن حد المعقول، والصحيح ما ذكرنا أولاً من أن الله تعالى ليس من جنس المقدورات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١].

والله تعالى لا إله غيره

  والله تعالى لا إله غيره {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}⁣[الشورى: ١١] {وَلَمْ يَكُنْ له كُفُواً أَحَدٌ}⁣[الإخلاص: ٤]، هو الواحد الأحد المتفرد بصفات الكمال، له الأسماء الحسنى، وقد خالف في ذلك طوائف المشركين من عباد الأصنام والمجوس والنصارى والثنوية.

  أما عباد الأصنام فخلافهم ظاهر، حيث جعلوا الأصنام آلهة مع الله فعبدوها وقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}⁣[الزمر: ٣].

  وأما المجوس فدانوا بوجود إلهين: إله الخير، وإله الشر، وسموا إله الخير يزدان، وقالوا: إن جميع الخير والصلاح والمنافع منه، وسموا إله الشر إهرمن