[في تكفير الكبائر بالطاعات]
  ثم هل يحاسب على الصغائر أم لا؟ إن قلتم: لا يحاسب، فكيف بقوله ÷: «ما من نبي إلا وهو يحاسب يوم القيامة بذنب غيري»، ومعلوم أن معاصي الأنبياء صغائر، وقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة/٨]، وغير ذلك.
  وإن قلتم: يحاسب، فما معنى الحساب مع التكفير لها، ومع التوبة؟
  والجواب: أن الصغائر مكفرة بجنب الطاعات، والطاعات: هي الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات، فحينئذ الحديث وهو قوله ÷: «الصلوات الخمس كفارات لما بينهن»، من باب التنصيص على بعض أفراد العام، تنبيهاً على عظم شأن الصلاة، وكونها معظم أركان الإسلام، ولهذا ثبت في الأذان حي على خير العمل، وإلا فالمعلوم أنه لو صلى ولم يصم، أو صلى وفعل كبيرة، فإن الصلوات لا تكون كفارة لما بينهن.
  وأما قول السائل: وهل يحاسب على الصغائر أم لا؟
  فظاهر الأدلة أنه لابد من الحساب على الصغير والكبير لقوله ÷: «ما من نبي إلا وهو يحاسب بذنب غيري»، ومن المعلوم أن ذنوب الأنبياء صغائر، وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ٤٩}[الكهف]، وقوله تعالى: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ٢٨٤}[البقرة]، وقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}[الزلزلة]، ويكون فائدة الحساب على الصغائر إظهار النعمة، والتمنن من اللّه تعالى، وصدق الوعد والوعيد، وهذه ثمرة ظاهرة، مثل: ورود المؤمن