مجموع رسائل الإمام المهدي محمد بن القاسم الحسيني،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[وسوسة الشيطان في قلب الإنسان]

صفحة 156 - الجزء 1

  إِلاَّ وُسْعَهَا} ... إلى آخر الآية، وهو سر قوله ÷: «رفع عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل».

  الثاني: وهو الداعي المشترك بين الإنسان والشيطان، وهو محل مدخل الشيطان لأنه يأتي من قبيل الشهوة، والحمية، والهوى، وما تميل النفس إليه، فلا يتم له المرام إلا بالتفات العبد، وملاحظته للدواعي والمحسنات لفعل القبيح، وإغماضه عن الحدود الشرعية، ومن هاهنا كان كيد الشيطان ضعيفاً، ولولا معاونة فعل العبد ما تم له حرام، ولهذا فإن وسوسته لا تضر المخلص، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}⁣[الأنفال/٢٠١]، وقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}⁣[الحجر/٤٢]، وقوله تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}⁣[ص/٨٣].

  والثالث والرابع: من فعل العبد وهما: العزم، والفعل، وذلك ظاهر، فكأن الشيطان لعنه اللّه يفهم ملاحظة العبد لمحل الداعي، كما يُفهم الرضى والغضب في الوجه، فيعمل وسوسته لتقويته بأمر قد مكنه اللّه تعالى منه من غير اتصال، بل كما يدرك حر النار المنفصلة في الموضع المجروح.

  وما روي «أن الشيطان يجري من ابن آدم مجاري الدم»، قد حمله قوم على حقيقته، لكون ابن آدم ذا مخاريق وأجواف، وهو جسم لطيف ألطف من الريح، لأنها تدرك بالمس بخلافه، والصحيح أن لفظ الحديث من مجاز الحذف والمعنى وسواس الشيطان، والقرينة العقل والعدل:

  أما العقل: فلعدم الإدراك بأي حاسة.