[نشأته]

  نشأ الإمام يحي حمزة علية السلام نشأة طاهرة، وسار على سيرة آبائه الكرام سيرة ظاهرة، فشمر على ساقي الجد والاجتهاد، في اقتفاء سيرة الآباء والأجداد، وجَدّ في جميع خصال الفضل وتحصيلها، وكسب جميع العلوم النافعة وتفصيلها، لم يزل مكباً على درس العلوم، منفقاً أوقاته وساعاته في طاعة الحي القيوم، حتى برز في كل فن على أقرانه وأشكاله، وأزرى في كل علم من العلوم على أضرابه وأمثاله، وبلغ مبلغاً محله لا يخفى، ونوره لا يطفى، وصَنف في جميع العلوم التصانيف العجيبة، والتواليف المفيدة الغريبة، بلغ ما لا يبلغ إليه أحد من آبائه الأُباة، واستولى على ما لم يستولِ عليه غيره من الأئمة الهداة.

  فإن نظرت إلى علمه وحلمه، وفضله ورجاحته، وورعه وزهده وكرامته، وجدت مجالاً لكل صفة أوسع من الدهناء، وألذ من الماء البارد في فم العطشان، وأهنأ أوصافه الشريفة تستغرق الآماد، وتستنطق الجماد، وما أصف من رجل هو العَالم في واحد، أجمع على فضله الأقارب والأباعد، وهذا شيء لا يفتقر إلى بيان، ويكفيك عن الخبر العيان، وإن أقبل على صلاته وتسبيحة وصيامه وسائر أذكاره، في حضره وأسفاره، في ليله ونهاره، قلت: عابد لا حظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، أحسن الناس وجهاً، وأشرفهم خُلقاً، وأفصحهم منطقاً، إن كتب بهر الكُتَاب المهرة بجودة كتابته، وإن خطب أسكت الخطباء السامعة بجزالة خطابته، وإن فسر القرآن المجيد وسق المفسرون وراءه في الحديث، وإن أخذ في الكلام والفقه والحديث فهو السيل المديد.