[وجوب البحث عن الفرقة الناجية]
  أمتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة»، فلمّا سُمِع ذلك منه، ضاق به المسلمون ذرعاً، وضجُّوا بالبكاء، وأقبلوا عليه، وقالوا: يا رسول اللّه، كيف لنا بطريق النجاة؟ وكيف لنا بمعرفة الفرقة الناجية حتى نعتمد عليها؟ فقال ÷: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبَّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض». قال: والأمة مجمعة على صحة هذا الخبر، وكل فرقة من فرق الإسلام تتلقاه بالقبول. انتهى.
  فبيّن رسول اللّه ÷ أنه قد ترك في أمته خليفتين، وحبلين ممدودين، وثقلين عظيمين، باقيين ما بقيت هذه الدار، لا يفارق أحدهما صاحبه حتى يردا على النبي المختار، صلى اللّه وسلم عليه وآله الأخيار؛ فهما عصمة اللائذين، ونجاة الطالبين، وعمدة الموحدين، وأمان المسلمين:
  أحدُهما: - وهو الأكبر - كتاب اللّه تعالى، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، طرفه بيد اللّه تعالى وطرفه بأيدينا، كما جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث، وهو المعجزة لنبينا ÷، الباقية إلى انقطاع التكليف، المحفوظ عن الزيادة والنقصان والتحريف، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وكما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر/٩]، وقال تعالى: {الم ١ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}[البقرة/٢ - ١].
  والثِّقل الآخر: - وهو الأصغر - عترةُ رسول اللّه ÷ وأهل بيته، قد جعلهم اللّه تعالى تراجمة الكتاب، وخلفاء رسول اللّه، وبدلاً عنه في حمل الشريعة إلى أمته، وحراستها عن التغيير من سنته، وأقامهم مقامه فيما تحتاج إليه في