أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[فصل: تقدم الحال على صاحبه، وتأخرها عنه]

صفحة 280 - الجزء 2


= زائد، نحو قولك (ما جاءني من أحد مبشرا) فإنه يجوز لك في هذا المثال أن تقول: ما جاءني مبشرا من أحد، ونحو (ما رأيت من أحد راكبا) فإنه يجوز لك في هذا المثال أن تقول: ما رأيت راكبا من أحد، وإنما كان هذا مما لا يختلف فيه أحد، لأن هذا المجرور بالحرف الزائد عند التحقيق فاعل أو مفعول.

أما الذين أجازوا تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف جر أصلي فقد استدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بالنص وبالقياس، فأما النص فآيات من الكتاب الكريم وأبيات من شعر العرب، وسيأتي في كلام المؤلف وكلامنا عليه جملة من ذلك، وأما القياس فحاصله أن المجرور بالحرف مفعول في المعنى، وقد جوز العلماء كلهم أجمعون تقديم الحال على صاحبها إذا كان مفعولا به، فيجب أن يجوز تقديم الحال على صاحبها إذا كان مفعولا معنى لأنه لا يخرج عن كونه مفعولا.

وأما المانعون فقد التزموا رد أدلة القائلين بالجواز، فأما الأبيات فقالوا: إنها شعر، وما كان دليله الشعر وحده، ولم يجد في كلام العرب المنثور مثله فإنه لا يثبت، لأن ما سبيله الشعر وحده يعتبر ضرورة، وأما الآيات فذكروا أنها تحتمل وجوها من الإعراب غير الوجه الذي ذكره المجيزون، والدليل متى احتمل وجها أو وجوها أخرى لم يبق مستندا صالحا للاستدلال، وأما قياس المجرور على المفعول فزعموا أن بينهما فرقا، وحاصله اختلاف العاملين؛ لأن الفعل المتعدي بحرف الجر ضعيف، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل مع التغيير في ترتيب معمولاته.

هذا، ومما هو جدير بالذكر هنا أمران:

الأمر الأول: أنه يلحق بحرف الجر الأصلي كل حرف زائد تجب زيادته أو تغلب، فأما الحرف الزائد الذي تجب زيادته فنحو الباء التي تجب زيادتها في فاعل أفعل التعجب الذي على صورة الأمر، نحو قولك (أكرم بأبي بكر مشفقا) وأما الباء التي تغلب زيادتها فنحو الباء الزائدة في فاعل كفى، نحو قولك (كفى بزيد زائرا) والخلاف الذي تقدم إيضاحه يجري في هذا النوع؛ فمن جوز التقديم على المجرور بالحرف الأصلي جوز ههنا، ومن لم يجوز التقديم على المجرور بالحرف الأصلي لم يجوز ذلك فيهما.

الأمر الثاني: أن الأسباب التي تمنع من تقديم الحال على صاحبها تسعة ذكر المؤلف منها ثلاثة - أن يكون صاحبها مجرورا بحرف جر أصلي، على الإيضاح الذي بيناه، وأن يكون صاحبها مجرورا بإضافة غيره إليه إضافة محضة، أو مطلقا، وأن تكون الحال محصورة - وقد بقي ستة أسباب لم يتعرض المؤلف لها، ونحن نذكرها لك هنا -