[تقدم الحال على العامل فيها، وتأخرها عنه]
[تقدم الحال على العامل فيها، وتأخرها عنه]
  إحداها - وهي الأصل -: أن يجوز فيها أن تتأخّر عنه وأن تتقدّم عليه، وإنما يكون ذلك إذا كان العامل: فعلا متصرّفا، ك «جاء زيد راكبا»، أو صفة تشبه الفعل المتصرف(١)، ك «زيد منطلق مسرعا»، فلك في «راكبا» و «مسرعا» أن تقدّمهما على «جاء» وعلى «منطلق»، كما قال اللّه تعالى: {خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ}(٢)، وقالت العرب: «شتّى تؤوب الحلبة»(٣)، أي: متفرقين يرجع الحالبون، وقال الشاعر:
(١) هذا الذي ذكره المؤلف - من جواز تقديم الحال على عاملها إذا كان فعلا متصرفا أو صفة تشبه الفعل المتصرف مطلقا، واستدل له بالآية الكريمة وبالمثل وببيت يزيد بن مفرغ الحميري - هو مذهب جمهور البصريين، وذهب الجرمي إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على عاملها مطلقا، وذهب الأخفش إلى أنه لا يجوز تقديم الحال على عاملها إذا فصل بين العامل والحال بفاصل نحو قولك (زيد جاء راكبا) لا يجوز عندهما أن تقول في هذا المثال: راكبا زيد جاء، ومن هنا تفهم السر في استدلال المؤلف بالآية الكريمة التي ترد على الأخفش، وأما المثل والبيت فيردان على الجرمي.
(٢) سورة القمر، الآية: ٧.
(٣) هذا مثل من أمثال العرب، يقولونه عندما يريدون أن يعبروا عن اختلاف الناس في الأخلاق مع أن أصلهم واحد، وقد أشار المؤلف إلى معنى مفرداته، فشتى: جمع شتيت، مثل جرحى مع جريح، ومعنى شتيت: متفرق، وتؤوب: أي ترجع، تقول:
آب يؤوب أوبا - مثل قال يقول قولا - ومآبا، والمعنى رجع، والحلبة: جمع حالب - بوزن قاتل وقتلة وفاجر وفجرة وفاسق وفسقة وكاتب وكتبة - وأصل المثل أن أصحاب الإبل والبقر وسائر النعم عندما يريدون أن يردوا الماء ليسقوا نعمهم يردون مجتمعين، وعندما يريدون أن يحلبوا ماشيتهم يحلبونها متفرقين، فيحلب كل واحد منهم ماشيته على حدة، و (شتى) حال من الحلبة الواقع فاعلا لتؤوب، وقد تقدم هذا الحال على صاحبها وعلى العامل فيه أيضا، وإنما ساغ هذا التقدم لكون هذا العالم فعلا متصرفا، فهو من القوة بحيث يعمل متأخرا أو متقدما.
فلو لم يكن العامل فعلا متصرفا ولا صفة تشبه الفعل المتصرف - بأن كان فعلا جامدا كفعل التعجب في نحو (ما أحسن زيدا مقبلا على ما ينفعه) أو كان صفة تشبه الجامد كأفعل التفضيل في نحو (محمد أفصح الناس متحدثا) أو كان اسم فعل نحو قولك (نزال مسرعا) أو كان عاملا معنويا كالحروف التي عملت بشبهها في المعنى بالفعل وكالجار والمجرور والظرف نحو قولك (ليت عليا زائرنا مخلصا، وإبراهيم في الدار