[الظرف متصرف، وغير متصرف]
  وأما قولهم: «هو منّي مقعد القابلة» و «مزجر الكلب» و «مناط الثّريّا» فشاذ، إذ التقدير: هو مني مستقر في مقعد القابلة، فعامله الاستقرار، ولو أعمل في المقعد قعد وفي المزجر زجر وفي المناط ناط لم يكن شاذا(١).
[الظرف متصرف، وغير متصرف]
  فصل: الظرف نوعان:
  متصرف، وهو: ما يفارق الظرفية إلى حالة لا تشبهها، كأن يستعمل مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو مضافا إليه، كاليوم، تقول: «اليوم يوم مبارك» و «أعجبني اليوم» و «أحببت يوم قدومك» و «سرت نصف اليوم».
  وغير متصرف، وهو نوعان: ما لا يفارق الظرفية أصلا، ك «قطّ وعوض»(٢)،
(١) فإن قلت: فلماذا صح نصب اسم الزمان على الظرفية بجميع أنواعه: الثلاثة التي ذكرها المؤلف، والرابع الذي زدته عليه، ولم يصح نصب اسم المكان إلا أن يكون واحدا من النوعين اللذين ذكرهما المؤلف تبعا لغيره من النحاة؟.
فالجواب أن نقول لك: إنك تعلم أن الفعل موضوع للدلالة على الحدث بمادته - أي حروفه التي يتألف منها - ويدل على الزمان بصيغته - أي وزنه، فالزمان جزء من جزأين يتألف منهما معنى الفعل، وبعبارة أخرى فالفعل يدل على الزمان بدلالة التضمن، أما المكان فلا يدل الفعل عليه لا بالمطابقة ولا بالتضمن، لكن لما كان الفعل دالّا على الحدث، وكان كل حدث لا بد أن يقع في مكان ما لزم من ذلك أن يدل الفعل بدلالة الالتزام على مكان مبهم، فلما كانت دلالة الفعل على الزمان دلالة تضمنية قوي على أن يعمل في جميع أنواع الزمان، ولما كانت دلالة الفعل على المكان دلالة التزامية، وكان اللازم هو دلالته على مكان مبهم؛ لم يقو على العمل إلا في المكان المبهم الذي يشعر هو به، ولما كان اتفاق اسم المكان المأخوذ من المصدر مع الفعل العامل فيه في أصل المادة مقويا للفعل على العمل في هذا النوع نصبه على الظرفية المكانية أيضا، فافهم ذلك وتدبره.
(٢) قط وعوض: ظرفان يستغرقان الزمان، أما قط فإنه يستغرق الماضي، وأما عوض فإنه يستغرق المستقبل، ولا يستعملان إلا بعد النفي، وهما مبنيان، لشبههما بالحرف، وكان بناؤهما على حركة تخلصا من التقاء الساكنين، وكان بناء قط على الضم في بعض اللغات حملا على قبل وبعد، فأما عوض فإنها تبنى على الحركات الثلاث إذ لم تكن مضافة.