والضرب الثاني:
= ومن العلماء من ذهب إلى أن «عسى» على ضربين الأول كلمة تنصب الاسم وترفع الخبر كإن وإخواتها، وهذه حرف ترج، ومن شواهدها قول صخر بن العود الحضرمي (وهو الشاهد رقم ١٣٢ الآتي في باب إن وأخواتها).
فقلت: عساها نار كأس وعلّها ... تشكّى فآتي نحوها فأعودها
ومنه قول الراجز:
تقول بنتي: قد أنى أناكا ... يا أبتا علّك أو عساكا
ومنه قول عمران بن حطان الخارجي:
ولي نفس تنازعني إذا ما ... أقول لها: لعلّي أو عساني
والضرب الثاني:
يرفع المبتدأ وينصب الخبر - وهو الذي نتحدث عنه في هذا الباب وهو باب أفعال المقاربة - وهذا فعل ماض، بدليل قبوله علامة الأفعال الماضية كتاء الفاعل في نحو قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} وأما جمودها ودلالتها على معنى يدل عليه حرف فلا يخرجانها عن الفعلية، وكم من الأفعال يدل على معنى يدل عليه حرف وهو مع ذلك جامد، ولم يخرجه ذلك عن فعليته، أليست حاشا وعدا وخلا دالة على الاستثناء وهي جامدة، وقد جاءت حروف بألفاظها ومعانيها فلم يكن ذلك موجبا لحرفيتها.
وهذا الذي ذكرناه - من أن «عسى» على ضربين، وأنها في ضرب منهما فعل، وفي الضرب الآخر حرف - هو مذهب شيخ النحاة سيبويه (وانظر كتابتنا على شرح الأشموني ج ١ ص ٤٦٢ وما بعدها في الكلام على الشاهد رقم ٢٥٢).
وقد ذكر المؤلف «عسى» هنا في باب أفعال المقاربة على أنها فعل، وذكرها في باب «إن» على أنها حرف، فهذا ميل منه إلى هذا المذهب.
ومن هذا كله يتضح لك: أن في «عسى» ثلاثة أقوال للنحاة:
الأول: أنها فعل في كل حال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم ضمير النصب أم لم يتصل بها واحد منهما، وهو قول نحاة البصرة، ورجحه المتأخرون.
والثاني: أنها حرف في جميع الأحوال، سواء اتصل بها ضمير الرفع أم لم يتصل بها، وهو قول جمهرة الكوفيين وثعلب وابن السراج.
والثالث: أنها حرف إذا اتصل بها ضمير نصب كما في الأبيات التي رويناها لك في مطلع هذه الكلمة، وفعل فيما عدا ذلك، وهو قول سيبويه شيخ النحاة، ولا يتسع =