[في معنى بر الوالدين وعقوقهما، وحكم أخذ الوالد من مال ولده]
  الأولى أن يأخذ برضا ولده، أو من يده دفعاً للإيحاش، وعملاً بقوله ÷ «رحم اللّه امرءاً أعان ولده على بره»، ويكون حديث: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه»، عموماً مخصصاً بحديث الأب، كما خص بأدلة الأخذ من مال الغائب والمتمرد لقضاء دينه ونفقة زوجاته.
  وأما إذا حاول الأب أخذ الزائد على الجائز ففعله منكر فيجوز للولد المنع، ولا يعد عقوقاً، وهو ممكن بالمدافعة الحسنة، والنصح كما فعل إبراهيم # في التلطف بوالده مع شركه من قوله يا أبتِ ... يا أبتِ ... وقد قال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}[لقمان/١٥]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}[النساء/١٣٥]، ولعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن لا يعاملهما معاملة غيرهما بل يراعي حقوقهما، وناهيك أنه لم يثبت حق لكافر على مسلم إلا الوالدين، والأولى للولد الإغضاء والمسامحة فيما لا ضرورة ولا منكر فيه.
  فإن قلت: فهل يجوز للولد المدافعة بالإضرار بهما إذا لم يمكن اللين عند تهافتهما على أخذ ماله كما يجوز ذلك مع غيرهما.
  قلت: الذي يلوح لي - واللّه أعلم - لعظم حقهما، ووجوب برهما، أنه إن لم يكن ما فعلاه منكراً ولا ضرر فيه على الولد، عدم جواز الإضرار لأن الحق له خاصة في مثل ذلك، وإسقاط حقه لوالده من كمال البر، ولهذا ذكروا أن الأب لا يحبس لولده، ولا يقاد به، وإن كان ما فيه منكر، أو ضرر جاز النهي على