[في قطعية الإمامة، وما يترتب عليها من الأحكام]
  والجواب: أن مسألة الإمامة، وقع الخلاف فيها هل قطعية أو ظنية، والصحيح أنها قطعية، لأنها أصل من أمهات مسائل الأصول، ولهذا فزع الصحابة بعد وفاة رسول اللّه ÷ إلى نصب إمام، وإن اختلفوا في المحل، فلم يسمع من أحد القول بأن لا حاجة لإمام فجرى مجرى الإجماع، بل أيدَ الشرعَ دليلُ العقل.
  لا يصلح القوم فوضى لا سَراة لهم ... ولا سَراة إذا جُهَّالهم سادوا(١)
  والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة مبسوطة في مواضعها وليست بمحل السؤال.
  ولا يمنع قطعيتها كون بعض شروطها ظنياً، كالكرم والتدبير إذ لا طريق إليهما إلا الظن، وإلا لزم الدور لأن التدبير مثلاً متوقف على الإمامة، والإمامة متوقفة عليه، ولها نظائر في القطعيات مثل الصلاة والصوم، فإنها قطعية وإن كان بعض شروطها ظنياً كالقبلة والوقت وبعض الطهارة ونحو ذلك، وفرض العالم ما ذكره السائل من الاختبار أو التواتر، وفرض الجاهل سؤال العلماء المحقين والاقتداء بهم، وإن كان لا يفيد إلا الظن لأنهم قد نزلوا العالم في حق الجاهل بمنزلة الدليل في حق العالم، فيجب على الجاهل في هذه المسألة الترجيح بين أدلته التي هي العلماء إذا تعارضت كما يرجح العالم بين الأدلة الشرعية فيتحرى اتباع أهل العلم الراسخ، والورع الكامل، والخبرة التامة، البعيدين عن الأغراض والأهواء، والميل إلى الدنيا التي
(١) السراة: بالفتح جمع سري وأما بالضم فهو جمع سارٍ كغزاة ورماة كما هو معروف في موضعه تمت نقلاً من خط شيخنا الحافظ مجد الدين المؤيدي.