[في قطعية الإمامة، وما يترتب عليها من الأحكام]
  الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء/٨٣]، وغير ذلك كثير، فتقرر بذلك أن ليس للجاهل طريق إلى هذه المسألة إلا العلماء، وهذا كله فيما يرجع إلى متابعة الجاهل ومبايعته وجهاده وتسليم حقوقه ونصيحته لإمامه، وغير ذلك من العمليات.
  وأما مسائل الاعتقاد كالتفسيق وما ترتب عليه: فلا يبعد وجوب التوقف عليه عند التعارض بين صالِحَين، لأن العالم يعمل بعلم قطعي، والجاهل يعمل بعلم ظني، والمسألة قطعية، بخلاف القتل والجهاد ونحوه فيجوز، لأنه وإن كان تحريم الدماء قطعياً فقد أبيح بالدليل الظني مثل حكم الحاكم بالقود بقيام الشهادة ولا تفيد إلا ظناً، وكذلك الحدود تثبت بالبينة ولا تفيد إلا ظناً، حتى نصوا على إقامة حد الشرب بالشم، ونصوا على جواز قتل من لا يؤمن ضرره على المسلمين، وتلك الخشية لا تفيد إلا الظن، لتعذر العلم في الأمور المستقبلة، ولما ثبت من أنها كانت تترتب الحروب في عهد رسول اللّه ÷ ومن بعده من الأئمة برجوع جواباتهم، أو رسلهم بالمخالفة، وذلك لا يفيد إلا ظناً، فصارت أدلة جواز القتل بالطريق الشرعية الظنية في تلك الجزئيات كالمخصصة لأدلة عموم تحريم الدماء والأموال، وقد ثبت في الأصول أنه يصح تخصيص القطعي العملي بالظني، ومنه تخصيص الكتاب بالسنة - أي الآحادية -، لأنه نوع من الجمع بين الأدلة المقدم على الترجيح وطرح أحد الدليلين.
  ومن هنا نصوا أنه يجوز امتثال أمر الحاكم بالحدود والقصاص، ويجب بأمر الإمام من غير أن يبحث الممتثل عن المستند، ما لم يكن المأمور به ظاهراً يخالف ما يعلمه الممتثل في الباطن.