[المؤاخذة بأفعال القلوب]
  ثم إذا نوى العبد الظلم والعناد وغيرهما من المعاصي ولم يتمكن من ذلك لعذر، هل هي معصية معاقب عليها، كما يدل عليه «ونية الفاسق شر من عمله»، و «إنما الأعمال بالنيات»، أم لا عقاب في ذلك كما هو ظاهر الحديث المتقدم «وإذا هم عبدي بسيئة ... الخ»، فلا يعاقب إلا على الفعل بينوا ذلك بياناً شافياً؟
  والجواب: أن اطلاع الحفظة على أعمال القلوب وعدمه قد تعارضت الأدلة فيه باعتبار الظاهر، ولكن الجمع بينها ممكن:
  إما أن يقال: إن الحفظة لا تطلع إلا على العمل الظاهر دون ما في القلب، كما قضت به بعض الأدلة التي ذكرها السائل وغيرها.
  ولا يمتنع أن يكون لله تعالى ملائكة موكلون بقلب ابن آدم يعلمون ما يوسوس به فيحمل حديث السبعة الأملاك، وحديث «إن الرجل ليقوم في الليلة القرة»، ونحوهما على خطاب الكتبة.
  ويحمل حديث: «وإذا هَمّ بحسنة فلم يعملها ... الخ»، وما أتى على منواله على خطاب الرقباء على القلب.
  وإما أن يقال: إن عمل القلب استأثر اللّه تعالى بعلمه، وهو الظاهر الذي يشعر به قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة/١١٦]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}[ق/١٦]، لأنه تعالى تمدح بهذه الصفات، فينبغي أن يختص بها، وحينئذ يحمل قوله تعالى: «وإن هَمّ بحسنة فاكتبوها حسنة»، وما ضاهاه يعني يكون كتبها بوحي من اللّه تعالى إليهم لما في