[في الإحباط والموازنة]
  واعلم أن هذا إنما هو تخريج على قول أهل الموازنة، وهو لا يلزم القائلين بالإحباط، وأن المذهب الصحيح قول أهل الإحباط، بصرائح الآيات والأدلة التي لا احتمال فيها، وأن العبرة بخاتمة العمر من طاعة وتوبة، أو معصية كبيرة، وأن آيات الموازنة من المتشابه الذي يجب رده إلى المحكم، والمؤول الذي يجب رده إلى الظاهر، والأمثال والمجاز شائع في لسان العرب، وآيات الإحباط صريحة لا احتمال فيها، ولهذا قال الوصي #: (بقية العمر لا قيمة له).
  وما ذكر من الإشكال اللازم بالتسوية بين من أطاع اللّه مدة عمره ثم فعل كبيرة ثم تاب، ومن عصى اللّه مدة عمره ثم تاب، إشكال تهويل، ومصادره فيما قام عليه الدليل، لأنا وإن قلنا بالتسوية: لم يقدح ذلك في عدل اللّه وحكمته، لأن المكلف المبطل لأعماله بالكبيرة من جهة نفسه أتي لا من جهة اللّه تعالى، فأشبه من بنى بناء تاماً في مدة مديدةٍ، ثم هدمه، فإنه هو ومن لم يَبْنِ سواء ولا عتب له على أحد.
  ولأنه يعارض ذلك بمثله فيقال: فما تقولون فيمن أطاع اللّه مدة عمره ثم كفر ثم تاب، وبين من عصى اللّه مدة عمره بالكفر ثم تاب، ولا قائل بلزوم التفرقة في عدل اللّه بينهما، ومن نظر في قصة إبليس لعنه اللّه وقد أحبط عمله وهو عبادة ستة آلاف سنة بمجرد تكبره عن السجود لأدم حتى لعنه اللّه وأخبر أنه من أهل النار في تلك الحال علم أن اللّه عدل حكيم وأن إبليس أتي من جهة نفسه فإذا دلت الأدلة القاطعة علي أن اللّه عدل حكيم، ودلت الأدلة الآخرة على أن عمل صاحب الكبيرة قد صار هباءً منثورا وجب الحكم بأن ذلك عدل وحكمة، عرف وجهها أم لا؟ وإلا لزم الاعتراض الذي أورده بعض العلماء فيما هو الوجه في تخليد