[حول الإرجاء وحديث سورة الصمد]
  التأويلات التي هي أولى من الرد، ولأنه لو صح الحديث وكان على ظاهره لكان دليلاً على الخروج من النار، لا على ماذكره السائل، ولا قائل من قدماء أئمتنا به، وإن ورد ما لا يمكن تأويله وجب رده كما هي القاعدة المقررة في الأصول.
  ولا يقدح ذلك في ناقله، ولا في كتابه:
  أما ناقله: فالخطأ والنسيان والوهم مجوز على البشر، وإنما هو ناقل روى ما سمع، وإنما يقدح ما كان عمداً، ولهذا قال ÷: «من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، فقيده بالعمد، وكثير من أفراد الأحاديث ما نُظِّرَ عليها، وحكم بعدم صحتها، ولم يعد ذلك قادحاً في الناقل ولا في كتابه.
  وأما كتابه: فلبقاء الظن بصحته، وكمال شروط الرواية في باقيه.
  وأما ما ذكره السائل من أن هذا هو الرجاء لا الإرجاء المذموم، فالمصرح في كتب الأصول أن ذلك القول هو حقيقة الإرجاء المذموم، لأن الإرجاء: التردد في الشيء لا القطع به، كما قال تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة/١٠٦]، وأما الرجاء: فهو رجاء قبول الأعمال الموجبة للرحمة والجنة والعصمة المبعدة عن أسباب الغضب والنار، ولهذا قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء/٥٧]، وقال تعالى: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}[النساء/١٠٤]، ولهذا قَبُحَ الرجاء في غير موضعه، كما قال الشاعر:
  تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درج الجنان بها وفوز العابد
  أنسيت أن اللّه أخرج آدماً ... منها إلى الدنيا بذنب واحد