[مفهوم الحصر بالنفي والاستثناء وإنما]
  والجواب: أنه لا شك أنها قد اضطربت العبارات، واختلفت المذاهب بين الأصوليين، والأنظار عند البيانيين، وقد حكى ابن الإمام # الأقوال في الغاية وشرحها مع الإتفاق أن مفهوم الحصر والقصر بالنفي والإستثناء من باب الدلالة اللفظية، وإنما اختلفت الأنظار هل لفظية وضعية أو لفظية عقلية، وهل بالمفهوم أوبالمنطوق؟.
  والراجح فيما ذكرتم في قول الموحد لا إله إلا اللّه أن المثبت والمنفي كلاهما من قبيل المنطوق، وهذا هو الذي جنح إليه ابن الحاجب وغيره من علماء الأصول، وحكى الحسين بن القاسم إطباق علماء البيان عليه، وإن كان المصرح عند بعض أهل الأصول أن المنطوق هو المنفي، والمفهوم هو المثبت، واختاره ابن الإمام، وبعضهم فصل بما إذا ذكر المستثنى منه، وقال بعضهم: الإثبات مسكوت عنه، وهو ساقط.
  والدليل على أن ما ذكرناه هو الراجح: الفهم من أهل اللغة بأنهم لا يريدون بمثل ذلك النفي والإثبات إلا النصوصية على الطرفين معاً فقول القائل: ما جاء إلا زيد، لا شك أنه أراد النصوصية على مجيئه، وعلى نفي من عداه، وليس المراد النصوصية على نفي مجيء القوم، والسكوت عن زيد، ولا العكس، ولا إثبات أي الطرفين مفهوماً بل نصاً، وكيف يقال في لا إله إلا اللّه أن دلالتها على إثبات الإلهية لله تعالى بالمفهوم، وخطابات الشارع واردة على هذا المنوال، فمثل قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد/١٩]، يفيد النصوصية على وجوب الطرفين - أعني وجوب معرفة الصانع ووجوب نفي الثاني -، وهذا وإن قال القائل: إن المفهوم يحصل به من الإفادة كما يحصل بالمنطوق، إذ الكل من قبيل