أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[حذف المعطوف عليه]

صفحة 354 - الجزء 3


= وكثير من النحاة يجعل (أم) المتصلة مثل الواو والفاء في جواز حذف المعطوف عليه، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} قالوا: إن تقدير الكلام: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم أن تدخلوا الجنة؟.

والسر في اقتصار المؤلف على ذكر الواو والفاء أن الحذف معهما أشهر وأعرف منه مع ثم ومع أم وهو مع الواو كثير ومع الفاء قليل نسبيا، قال ابن مالك في التسهيل (ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيرا وبالفاء قليلا).

الأمر الثاني: قولهم: (وبك وأهلا وسهلا) يشتمل على ثلاث واوات، أما الواو الأولى فهي عاطفة لمجموع كلام المتكلم على مجموع كلام المخاطب، فهي عاطفة لمذكور على مذكور، وليست هذه الواو محل الاستشهاد، وأما الواو الثانية فهي عاطفة لقوله:

(أهلا) على (مرحبا) المحذوف من كلام المتكلم، وكأنه قال: (وبك مرحبا وأهلا وسهلا) فإن قدرت العامل في الجميع واحدا يعمها - وكأنه قيل: صادفت مرحبا وأهلا وسهلا - فهو من باب عطف مفرد على مفرد، وإن قدرت لكل واحد عاملا يخصه - وكأنه قيل: قابلت مرحبا - أي ترحيبا - ولقيت أهلا، ونزلت سهلا - فهو من باب عطف جملة على جملة.

ونظير هذه العبارة قول القائل (وعليكم السّلام) جوابا لمن قال له: (السّلام عليكم) فإن الواو في الجواب كالواو الواقعة في أول العبارة السابقة، فهي لعطف كلام المتكلم المجيب على كلام المخاطب البادئ.

الأمر الثالث: تقدير المؤلف قوله تعالى: {أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً} بقوله:

أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا، هو أحد تقديرين في مثل هذه العبارة، وهو تقدير الزمخشري وجماعة، وحاصل المسألة أن ثلاثة من حروف العطف قد وقعت بعد همزة الاستفهام، وهي الواو نحو أو كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم والفاء نحو {أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً} وثم نحو {ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ}.

وقد اختلف النحاة في تخريج ذلك، فقال الزمخشري: هذه الحروف عاطفة والمعطوف عليه مقدر، ومكانه بعد همزة الاستفهام لأن لهمزة الاستفهام الصدارة، وتقدير الآية الأولى: أسرتم مع شهواتكم وكلما جاءكم رسول، وتقدير الآية الثانية:

أنهملكم فنضرب عنكم، وتقدير الآية الثالثة: أأنكرتم ما أوعدناكم به ثم إذا ما وقع آمنتم به. =