هذا باب النداء وفيه فصول
= الأول - أربعة آراء للنحاة، ونحن نبينها لك مفصلة تفصيلا واضحا، فنقول:
الرأي الأول: وهو رأي شيخ النحاة سيبويه | - وحاصله أن الاسم الأول منادى مضاف لما بعد الاسم الثاني، فهو عند التحقيق منصوب بالفتحة الظاهرة والاسم الثاني مقحم - أي زائد - بين المضاف والمضاف إليه، ويلزم على هذا القول ثلاثة أشياء كل واحد منها خلاف الأصل، أولها أن فيه ادعاء زيادة الاسم، والأصل أن الأسماء لا تزاد، والثاني أن فيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه، وقد علمت في باب الإضافة أنهما كالكلمة الواحدة فالفصل بينهما كالفصل بين بعض أجزاء الكلمة وبعضها الآخر، وذلك قبيح غاية في القبح، والثالث أن فيه حذف التنوين من الاسم الثاني من غير موجب اقتضاه لأنك علمت أن هذا الاسم الثاني غير مضاف.
الرأي الثاني: وهو رأي أبي العباس محمد بن يزيد المبرد - وحاصله أن الاسم الأول منادى مضاف لاسم مماثل لما بعد الاسم الثاني، فهو منصوب بالفتحة الظاهرة، والاسم الثاني مضاف للاسم الذي بعده، فهو إما عطف بيان على الأول وإما بدل منه وإما توكيد لفظي له وإما منادى بحرف نداء محذوف، وأصل العبارة عنده (يا سعد الأوس سعد الأوس) فحذف من الأول نظير ما أثبته مع الثاني، وهذا التخريج يلزم عليه مخالفة الأصل من وجه واحد، وهو الحذف من الأول لدلالة الثاني على المحذوف، والأصل هو عكس ذلك وهو الحذف من الثاني لدلالة الأول على المحذوف.
الرأي الثالث: وهو رأي الفراء - وحاصله أن الاسمين المكررين مضافان لما بعد الاسم الثاني، فكل منهما منادى مضاف منصوب بالفتحة الظاهرة، وكأن الفراء قد أراد بهذا الرأي أن يتجنب ما جاء في مذهب سيبويه من القول بزيادة الاسم وما جاء في رأي المبرد من القول بحذف المضاف إليه وبقاء المضاف على إعرابه الذي كان له قبل الحذف فوقع فيما لا نظير له في العربية وهو القول بتوارد عاملين على معمول واحد لعمل واحد، فإنك تعلم أن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه، وفي قوله أن كل واحد من الاسمين المكررين مضاف إلى الاسم الواقع بعد الثاني منهما.
الرأي الرابع: وهو رأي الأعلم الشنتمري شارح شواهد سيبويه - وحاصله أن الاسمين المكررين قد تركبا معا تركب أحد عشر فهما مبنيان على فتح الجزأين، وقد صارا كلمة واحدة، ثم أضيف هذا المركب إلى الاسم الواقع بعده كما يضاف أحد عشر وأخواته إلى صاحب العدة فيقال (أحد عشر زيد) و (خمسة عشر بكر) وعلى ذلك يكون -