[النحاة في الأصل في الفعل، وأدلة كل فريق منهم رافع المضارع]
= العبارة الواحدة من الكلام قد تحتمل معاني متعددة، ولا يتأتى لك تمييز معنى من هذه المعاني إلا بإعراب ألفاظ هذه العبارة، وخذ لذلك مثلا عبارة (ما أحسن خالد) فإن هذه العبارة تحتمل أن يكون مراد المتكلم بها التعجب من حسن خالد، وأن يكون مراد المتكلم بها الاستفهام عما استقر الحسن فيه من أجزاء خالد، وأن يكون مراد المتكلم بها الإخبار عن انتفاء حصول إحسان من خالد، ولولا حركات الإعراب التي تقع على أجزاء هذا التركيب لم يعرف السامع ما يريد المتكلم من هذه المعاني، فإذا فتح (أحسن) ونصب (خالدا) وقال (ما أحسن خالدا) دل على أنه يتعجب من حسن خالد بسبب أنه فاق أمثاله فيه، وإذا رفع (أحسن) وخفض خالدا، وقال (ما أحسن خالد) دل على أنه يستفهم من المخاطب ليبين له أي أجزاء خالد أحسن لتشابه هذه الأجزاء عليه في الحسن، واستدعى بهذه العبارة جوابا من المخاطب، وإذا فتح (أحسن) ورفع خالدا، وقال (ما أحسن خالد) دل على أنه يخبر المخاطب بانتفاء وقوع إحسان من خالد، ولم يكن مستدعيا لجواب من المخاطب، ولا يمكن أن يميز معنى من هذه المعاني عن أخويه بشيء آخر غير الإعراب أو الإتيان بكلام آخر وترك هذا الكلام بتة، فكان ذلك دليلا على أن الإعراب أصل في الأسماء.
ثم اعلم أن البصريين والكوفيين قد اختلفوا في الأصل في الأفعال ما هو؟ فقال البصريون: الأصل في الأفعال البناء، وعلى ذلك لا يسأل عن علة بناء الفعل الماضي ولا عن علة بناء فعل الأمر الذي يقولون هم ببنائه لأن كل واحد منهما قد جاء على ما هو الأصل في نوعه، وإنما يسأل عن علة إعراب الفعل المضارع، وقال الكوفيون:
الأصل في الأفعال الإعراب كالأسماء، وعلى ذلك لا يسأل عن علة إعراب الفعل المضارع ولا عن علة إعراب فعل الأمر الذي يقولون هم بإعرابه لأن كلّا منهما قد جاء خلاف ما هو الأصل في نوعه.
وإذا علمت هذا الكلام على هذا الوجه المفصل الدقيق التفصيل فاعلم أن النحاة جميعهم كوفيهم وبصريهم متفقون على أن الفعل المضارع معرب.
فأما الكوفيون فقالوا: إن إعراب الفعل المضارع قد جاء على ما هو الأصل في نوعه فلا يسأل عن علته، ووجهوا ذلك بأن الفعل قد يعرض له من المعاني المختلفة ما لا يمكن التمييز بين بعضها وبعض إلا بالإعراب، وضربوا لذلك مثلا عبارة (لا تعن بالجفاء وتمدح خالدا) فإن هذه العبارة تحتمل أن يكون المتكلم قد أراد أن ينهى المخاطب عن -