هذا باب إعراب الفعل
= كل واحد من الأمرين عنايته بالجفاء ومدحه خالدا، سواء أفعل واحدا منهما مستقلّا عن الآخر أم فعلهما متصاحبين، كما تحتمل أن يكون المتكلم يريد أن ينهى المخاطب عن فعل الأمرين متصاحبين فأما أن يفعل واحدا منهما مستقلّا إما الأول وإما الثاني فلا يريد أن ينهاه عنه، كما تحتمل أن يكون المتكلم يريد أن ينهى المخاطب عن فعل الأمر الأول وهو عنايته بالجفاء في هذه العبارة ويبيح له أن يفعل الثاني وهو مدح خالد، ويتميز بعض هذه المعاني من أخويه بحركات الإعراب، فإذا جاء المتكلم بالفعلين - وهما (تعن) و (تمدح) - مجزومين دل على أنه سلط (لا) الناهية على كل منهما وعلى أنه أراد بالواو العطف وعلى أنه يريد نهي المخاطب عن فعل كل واحد من الأمرين، سواء أفعل كلّا منهما مستقلّا عن الآخر أم فعلهما متصاحبين، وإذا جاء المتكلم بالفعل الأول مجزوما وبالفعل الثاني منصوبا دل على أنه سلط (لا) الناهية على الفعل الأول وحده وعلى أنه أراد بالواو الداخلة على الفعل الثاني معنى المعية، ودل ذلك على أنه ينهى المخاطب عن فعل الأمرين متصاحبين، فأما فعل أحدهما مستقلّا إما الأول وإما الثاني فلم يتعلق النهي به، وإذا جاء بالفعل الأول مجزوما وبالفعل الثاني مرفوعا دل ذلك على أنه سلط (لا) الناهية على الفعل الأول دون الثاني، وعلى أنه أراد بالواو الداخلة على الفعل الثاني الاستئناف، ودل الكلام على أن المتكلم ينهى المخاطب عن الفعل الأول ويبيح له الفعل الثاني، فلما كانت المعاني المختلفة التي تفتقر في التمييز بينها إلى الإعراب تتوارد على الفعل كما تتوارد على الاسم وجب أن يكون الإعراب أصلا في الأفعال كما أوجب ذلك أن يكون الإعراب أصلا في الأسماء كما تقررون.
ويمكن أن يقال في شأن هذا التوجيه الذي تمسك به الكوفيون: إن بين احتياج الاسم إلى الإعراب واحتياج الفعل إليه فرقا واضحا، وذلك لأن احتياج الاسم إلى الإعراب لا يزول بغير الإعراب، أما احتياج الفعل إلى الإعراب فيزول بالإعراب كما ذكرتم ويزول بغير الإعراب، وذلك كأن تضع موضع الفعل اسما وتبقى بقية العبارة على ما هي عليه كأن تقول في العبارة التي شرحنا معانيها ودلالة الإعراب على كل معنى منها، إن أردت النهي عن كل واحد من الأمرين قلت (لا تعن بالجفاء ومدح خالد) وإن أردت النهي عن فعلهما متصاحبين قلت (لا تعن بالجفاء مادحا خالدا) وإن أردت النهي عن الأول وإباحة الثاني قلت (لا تعن بالجفاء ولك مدح خالد) فلما افترق احتياج أحدهما عن احتياج الآخر لم يكن ما أدى إليه الاحتياج في الاسم واجب الحصول في الفعل، وهذا -