[بنصب المضارع بأن مضمرة وجوبا في خمسة مواضع]
= قبلها يخالف ما بعدها على النحو الذي أسلفت لك، ونظر النحاة في العامل الذي اقتضى النصب في الصورة الثانية، فأما علماء الكوفة فترددوا فتارة ينسبون عمل النصب إلى (أو) نفسها، وهو قول الكسائي وهو شيخ شيوخهم، وتارة ينسبون العمل إلى المعنى وهو المخالفة، وهو قول شيخهم الفراء، وأما علماء البصرة فرأوا أن العامل لا يجوز أن يكون (أو) لأنه حرف عطف مشترك بين الأسماء والأفعال، والحرف المشترك أصله ألا يعمل، ورأوا أن الخلاف لا يصلح للعمل لأنه معنوي، فلم يكن لهم بد من أن يجعلوا العامل هو (أن) المصدرية مضمرة بعد (أو) لأن (أن) عامل قوي، وجعلوا ما بعد (أو) في تأويل مصدر مسبوك من أن المضمرة ومنصوبها، وجعلوا هذا المصدر معطوفا بأو على مصدر آخر متصيد مما قبلها، فإذا قلت (لألزمنك أو تقضيني حقي) كان التقدير عندهم: ليكونن لزوم مني لك أو قضاء لحقي منك فوفروا لأو معناها الأصلي.
ثم اعلم أن المؤلف جعل من شرط انتصاب المضارع بعد (أو) أن تكون بمعنى حتى، يريد أنها تدل على أن ما بعدها غاية لما قبلها، فهي حينئذ بمعنى إلى، ومن العلماء من يعبر بأن تكون بمعنى إلى، والعبارتان سواء، أو تكون بمعنى إلا، يعني أن ما بعدها مستثنى من عموم الأزمان المستقبلة التي يصلح لها ما قبلها، ومن العلماء من يزيد على ذلك قوله (أو تكون بمعنى كي) يعني أن ما بعدها علة لما قبلها، وهي زيادة صحيحة، وملخص هذا الكلام أن ما بعد (أو) قد يكون علة لما قبلها نحو أن تقول (لأطيعن اللّه أو يغفر لي ذنبي) فإن معنى هذه العبارة أنك تطيع اللّه لكي يغفر لك ذنبك، ولا يصلح في هذا المثال أن تكون (أو) بمعنى إلى ولا أن تكون بمعنى إلا، لفساد المعنى على كل منهما، وقد يكون ما بعده (أو) غاية ينتهي عندها ما قبلها نحو أن تقول (لأنتظرن محمدا أو يجيء) فإنك تريد بهذه العبارة أنك ستنتظر محمدا إلى أن يجيء، ولا يصلح في هذا المثال أن تكون (أو) بمعنى إلا، وقد يكون ما بعد (أو) مستثنى من أزمان المستقبل التي يصلح لها ما قبلها نحو أن تقول (لأقتلن الكافر أو يسلم) فإن ما بعد أو ههنا مستثنى من استمرار ما قبلها في جميع الأزمنة، ولا يصلح في هذا المثال أن تكون (أو) بمعنى إلى، وقد يصلح مثال واحد للأمور الثلاث التي ذكرناها نحو مثالهم المشهور، وهو (لألزمنك أو تقتضيني حقي) فإن ما بعد أو في هذا المثال يصح أن يكون علة لما قبلها بدليل أنه يصح أن تقول: لألزمنك كي تقضيني حقي، ويصح أن يكون ما بعد أو -