هذا باب النائب عن الفاعل
  الثالث: مصدر مختصّ(١)، نحو: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ
= متى كان صالحا للابتداء، وذلك بأن يكون اسما مجردا عن العوامل اللفظية، فأما إذا لم يكن مجردا عن العوامل اللفظية - ومنها حروف الجر الأصلية - فإنه لا يكون صالحا لأن يعرب مبتدأ، فامتناع الابتداء هنا لسبب هو عدم التجرد عن العوامل اللفظية.
وأما الدليل الرابع: وهو أن الفعل لا يؤنث له في نحو قولك مر بهند - فإن لعدم التأنيث في مثل ذلك سرا غفلتم عنه، وهو أن النائب عن الفاعل في صورة الفضلة لأنه جار ومجرور، ونحن نعلم أن الفضلة المرتبطة بالفعل لا تستتبع تأنيث الفعل من أجلها، فأخذ ما جاء على صورة الفضلة حكم الفضلة نفسها، ويؤيد ذلك أن الفاعل نفسه لو جاء على صورة الفضلة لم يجب أن يؤنث له الفعل إذا كان مؤنثا، ألا ترى أنهم قالوا:
«كفى بزيد معينا» ولم يقولوا: «كفت بهند».
وقد أطلت عليك في هذه المسألة بقصد كشف كلام المؤلف وإيضاحه، فإنه أجمل أدلة القوم والرد عليها إجمالا قد يتعذر عليك إدراكه، فأحببت أن يتجلى الموضوع أمامك حتى تدرك مغزى ما أشار إليه، واللّه سبحانه المسؤول أن ينفعك به.
(١) اعلم أولا أنه يشترط في نيابة المصدر عن الفاعل شرطان، أولهما أن يكون متصرفا، والثاني أن يكون مختصا، وأنه لا خلاف في اشتراط التصرف في المصدر الذي ينوب عن الفاعل، وأما اشتراط الاختصاص فخالف فيه جماعة من النحاة منهم الكسائي وهشام وثعلب، وجرى على مذهبهم أبو حيان في كتابه النكت الحسان، وسيأتي شرح مذهبهم في الكلام على الشاهد (رقم ٢٢٥).
ثم اعلم ثانيا أن المصدر المتصرف هو الذي يخرج عن النصب على المصدرية إلى التأثر بالعوامل المختلفة مثل ضرب وقتل، تقول: «ضربت محمدا ضربا» فتنصب ضربا على المصدرية، وتقول: «ضربك ضرب شديد» فترفع ضربا الأول على أنه مبتدأ، وترفع الثاني على أنه خبر، أما المصدر الذي لا يستعمل إلا منصوبا على المصدرية نحو: «معاذ اللّه» فإنه مصدر غير متصرف، ولا ينوب هذا النوع من المصدر عن الفاعل، وذلك ظاهر.
واعلم أيضا أن المصدر إما أن يكون مختصا وإما أن يكون مبهما أي غير مختص، فأما المختص فنوعان، أولهما: ما كان دالّا على العدد كضربتين وضربات، وثانيهما: ما وصف نحو «ضرب شديد» أو أضيف نحو: «سكون المتدبرين» وغير هذه الأنواع مصدر مبهم، أي غير مختص، نحو ضرب وقتال، من غير وصف ولا إضافة، وهذا هو =