أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب المفعول معه

صفحة 216 - الجزء 2


= الشاهد فيه: قوله (وماء) فإن علماء العربية مجمعون على أنه لا يجوز أن يكون (ماء) معطوفا على قوله (تبنا) عطف مفرد على مفرد مع بقاء قوله (علفتها) على معناه الأصلي الذي وضع له في لسان العرب، والسر في ذلك أن من شرط عطف المفرد على المفرد أن يكون العامل في المفرد المعطوف عليه مما يصح أن يتسلط على المفرد المعطوف، وههنا لا يجوز لك أن تقول: علفتها ماء باردا؛ لأن العلف خاص بما يطعم.

وقد ذكر العلماء - بعد ذلك - في تخريج مثل هذا التعبير ثلاثة تخريجات:

التخريج الأول: أن يكون قوله (وماء) مفعولا معه، ذكر هذا الوجه ابن عقيل في شرحه على الألفية، وصدر به التخريجات، وقد أبطله المؤلف ههنا كما أبطل صحة عطفه على ما قبله، ووجه إبطاله أن الماء لا يشارك التبن لا في معنى العلف ولا في زمان العلف؛ فلما لم يشاركه في معنى العلف لم يصح أن يكون قوله (وماء) معطوفا على قوله (تبنا) ولما لم يشاركه في الزمان - بسبب أن الناقة لا تشرب الماء في وقت تناولها التبن - لم يصح أن يكون (وماء) مفعولا معه أيضا؛ فإن من شرط انتصاب الاسم على أنه مفعول معه أن يكون مشاركا لما قبله في زمان تسلط العامل عليه، ويدل على هذا اشتراطهم أن تكون الواو السابقة عليه دالة على المصاحبة.

والتخريج الثاني: أن يكون قوله (وماء) معطوفا على قوله (تبنا) بعد التأويل في العامل؛ فعلى هذا التخريج لا يبقى معنى قوله (علفتها) أطعمتها وقدمت لها ما تأكله، كما هو معناه الوضعي، بل معناه هنا الآن أعم من ذلك، فنحن نؤوله فنريد به معنى أوسع من معناه اللغوي، كأن نريد به معنى (قدمت لها) أو معنى (أنلتها) أو معنى (أعطيتها) وما أشبه ذلك، وهذا تخريج الجرمي والمازني والمبرد وأبي عبيدة والأصمعي واليزيدي وغيرهم من العلماء.

والتخريج الثالث: أن يكون قوله (وماء) مفعولا به لفعل محذوف يقتضيه السياق. كما ذكرناه في بيان إعراب هذا الشاهد، وتكون جملة (وسقيتها ماء باردا) معطوفة بالواو على جملة (علفتها تبنا) فالفرق بين هذا التخريج والذي قبله أن الواو في هذا التخريج عطفت جملة على جملة، وفي التخريج السابق عطفت مفردا على مفرد، وهذا تخريج كثير من العلماء، وأوجبه أبو علي الفارسي والفراء والزوزني شارح المعلقات.

ومثل هذا البيت في احتمال التخريجين الثاني والثالث قول لبيد بن ربيعة العامري من معلقته:

فعلا فروع الأيهقان، وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها

=