[أدوات الاستثناء]
= المذهب الأول - وهو مذهب سيبويه ومذهب جماعة من البصريين - وحاصله أنها حرف جر دائما، ولا تكون فعلا؛ لأنهم لم يحفظوا إلا الجر بها، والجر لا يكون إلا بالحرف، وأصحاب هذا القول يختلفون: ألها متعلق تتعلق به كسائر حروف الجر، أم لا متعلق لها كالحروف الزائدة، فذهب قوم منهم إلى أن لها متعلقا تتعلق به كسائر حروف الجر، ومتعلقها ما يكون قبلها من فعل أو شبهه، وعلى هذا يكون محلها مع المجرور نصبا، واختار قوم منهم ابن هشام أنها لا تتعلق بشيء كالحروف الزائدة، واستدل هؤلاء القائلون بأن لا متعلق لها بأنها ليست على النمط الذي عليه حروف الجر الأصلية، فإن الحروف الأصلية توصل معاني الأفعال التي قبلها للاسم المجرور بها، فأنت حين تقول: (مررت بزيد) توصل معنى الفعل الذي هو المرور إلى زيد بواسطة الباء، ولكنك حين تقول (رأيت القوم حاشا زيد) لا توصل معنى الفعل السابق إلى المجرور بحاشا، بل أنت تزيل معنى الفعل وهو الرؤية عن زيد بواسطة حاشا، فلما اختلف حال هذا الحرف الذي هو حاشا عن حال حروف الجر الأصلية لم نجعله منها، وليس هذا الدليل بمستقيم، لأن الحرف الأصلي يوصل معنى الفعل المتقدم عليه إلى مجروره على ما يقتضيه المعنى الذي وضع له الحرف، فالباء توصل معنى الفعل الذي هو المرور إلى الاسم المجرور بالباء على المعنى الذي تدل عليه الباء وهو الإلصاق.
وكذلك حاشا في المثال الذي ذكروه توصل معنى الفعل وهو الرؤية على المعنى الذي وضع له هذا الحرف وهو انتفاء ما قبلها عن المجرور به، ألا ترى أنك لو قلت (ما ضربت زيدا) لم يمنعك عدم وقوع الضرب على زيد في هذا المثال من أن تسميه مفعولا به.
المذهب الثاني - وهو مذهب الجرمي والمازني والزجاج والأخفش وأبي زيد والفراء وأبي عمرو الشيباني، وهو أيضا الذي اختاره المتأخرون من النحاة ومنهم جميع شراح الألفية - وملخص هذا الرأي أنها تستعمل كثيرا حرف جر فيكون ما بعدها مجرورا بها، وتستعمل قليلا فعلا متعديا جامدا فتنصب ما بعدها، فإذا استعملتها حرفا قلت (حاشاي) - بدون نون الوقاية - كما في قول الشاعر:
في فتية جعلوا الصّليب إلههم ... حاشاي إنّي مسلم معذور
وإذا استعملتها فعلا قلت (حاشاني) وإنما كان هذا الفعل جامدا لتضمنه معنى إلا، وقد روى هؤلاء عن العرب نصب ما بعدها وجره، فقضوا بأنها حين تجر تكون حرف جر، وحين تنصب تكون فعلا. =