هذا باب الحال
  فالأوّل»(١)، أي: مترتبين، و «جاؤوا الجمّاء الغفير»(٢)، أي: جميعا، و «أرسلها العراك»(٣)، أي: معتركة.
= مشتق يكون حالا، وكأنه قد قيل: رجع عائدا عوده على بدئه.
(١) الأول: أفعل تفضيل مقترن بأل المعرفة، وقد ورد منصوبا، وأعربه النحاة حالا، وجعلوا ما بعده معطوفا عليه بالفاء، ثم يفهم من كلامهم أنهم مختلفون في المؤول بنكرة أهو مجموع الاسمين فيكون قولك (ادخلوا الأول فالأول) على تقدير ادخلوا مترتبين، أم أن كل واحد من الاسمين يؤول بوصف منكر، فيكون تأويل هذا المثال ادخلوا واحدا فواحدا، ولا شك أن التأويل الأول أقرب مسلكا للدلالة على المعنى الذي يريده المتكلم بهذا الكلام.
(٢) الجماء، في الأصل: مؤنث الأجم، وهما نظير أبيض وبيضاء وأحمر وحمراء، واشتقاقهما من الجم - بفتح الجيم وتشديد الميم - وهو الكثرة، وقالوا: ماء جم، يريدون أنه كثير، وقال اللّه تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا} أي: حبا كثيرا.
وقال الراجز:
إن تغفر اللّهمّ تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك لا ألمّا
وقالوا: هذا امرأة جماء المرافق، يريدون أنها كثيرة اللحم على مرافقها، وأصل اشتقاق (الغفير) من الغفر - بفتح الغين وسكون الفاء - وهو الستر، تقول غفر اللّه تعالى ذنبك، تريد ستره عليك ولم يفضحك به، والغفير في صناعة العربية فعيل بمعنى فاعل صفة للجماء، وكان من حق العربية عليهم أن يؤنثوا الصفة لأن الموصوف - هو الجماء - مؤنث، إلا أنهم عاملوا هذه الصيغة معاملة أختها التي هي فعيل بمعنى مفعول فإنهم لا يؤنثون لفظها وإن جرت على موصوف مؤنث، فيقولون: امرأة جريح، وامرأة قتيل، وكأنهم حين قالوا (جاؤوا الجماء الغفير) قد قالوا: جاؤوا الجماعة الساترة لوجه الأرض، يعنون أنهم لكثرتهم وعظيم عددهم ستروا وجه الأرض فلم يظهر منها شيء، وقد قالوا في هذا المثل (جاؤوا جماء غفيرا) فأتوا به منكرا على الأصل في الحال، والمعرف على التأويل بالنكرة.
(٣) قد وردت هذه الجملة في قول لبيد بن ربيعة العامري يصف حمارا وحشيا أورد أتنه الماء لتشرب:
فأوردها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدّخال
والضمير المستتر في (أوردها) يعود إلى حمار الوحش، والضمير البارز يعود إلى أتنه، =