أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب التمييز

صفحة 323 - الجزء 2

  فإنهما وإن كانا فاعلين معنى؛ إذ المعنى عظمت فارسا وعظمت جارا، إلا أنهما غير محوّلين، فيجوز دخول «من» عليهما، ومن ذلك «نعم رجلا زيد» يجوز «نعم من رجل» قال:

  [٢٨٥] -

  فنعم المرء من رجل تهام


= وقال ابن حبيب: (يريد أن ناقته تقول له: أعظمت وأكرمت: أي اخترت ربا كريما وجارا عظيم القدر يبرح بمن طلب شأوه) والظاهر من عبارة ابن حبيب هذه في حل معنى البيت أنه يرى جعل (ربا) مفعولا به لأبرحت، ألا ترى أنه فسره بقوله: (أي اخترت ربا).

الشاهد فيه: قوله (ربا) وقوله (جارا) فإنهما تمييزان يجوز جرهما بمن؛ لأنهما وإن كانا في المعنى فاعلين؛ إذ معنى الكلام عظم رب وعظم جار؛ لكنهما غير محولين عن الفاعل صناعة.

[٢٨٥] - اختلفوا في نسبة هذا الشاهد إلى قائله؛ فقال قوم: هو لأبي بكر بن الأسود الليثي، وقال آخرون: هو من كلام بجير بن عبد اللّه بن سلمة الخير، والشاهد من كلمة في رثاء هشام بن المغيرة أحد أشراف مكة، والذي ذكره المؤلف عجز بيت من الوافر، ونحن نذكره لك مع بيت سابق عليه، وهما قوله:

فدعني أصطبح يا بكر، إنّي ... رأيت الموت نقّب عن هشام

تخيّره فلم يعدل سواه ... فنعم المرء من رجل تهام

ومن العلماء من يروي صدر هذا الشاهد:

تعمّده ولم يعظم عليه

اللغة: (فدعني) هو فعل أمر، والكثير من العلماء يذكر أن ماضيه مهجور في الاستعمال، ومنهم من قال: ماضيه ودع مثل وصف، وقرئ في قوله تعالى {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} بالتخفيف على هذا، وروي (فذرني) والفعلان بمعنى ترك، ويروى (ذريني أصطبح يا بكر) وأصطبح: أشرب الصبوح - والصبوح - بفتح الصاد وضم الباء مخففة - شرب الخمر صباحا، ويقابله الغبوق - بفتح الغين المعجمة وضم الباء - وهو شربها في الغداة، وبكر: اسم قبيلة (نقب) أراد أنه هجم عليه وتتبع آثاره، وأصل التنقيب الذهاب في الأرض أو البحث عن الأخبار (تعمده) قصده وتكلف ذلك (ولم يعظم عليه) معناه أنه لم يشق على الموت أن يقصده وينزل به، ويروى (ولم يعدل =