[فصل: في ذكر معاني الحروف.]
  والثالث: الاستعلاء، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}(١)، أي: على نفسه، وكقول الشاعر:
  [٢٩٩] -
  لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب ... عنّي ...
  أي: عليّ.
(١) سورة محمد، الآية: ٣٨ (القتال) وخرج الدماميني الآية الكريمة على أن (يبخل) قد ضمن معنى يبعد، أي ومن يبخل فإنما يبعد الخير عن نفسه.
[٢٩٩] - هذا الشاهد من كلام ذي الإصبع العدواني، واسمه الحارث بن محرث، وكان قد نهشت حية إصبعه فشلت، فلقب بذي الإصبع لذلك، وما ذكره المؤلف هو قطعة من بيت من البسيط، وهو بتمامه:
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب ... عنّي، ولا أنت ديّاني فتخزوني
اللغة: (لاه ابن عمك) اعلم أن الأصل في هذا الاستعمال أن يقولوا: للّه أنت، وللّه درك، وللّه أبوك، وللّه ابن عمك - بثلاث لا مات، الأولى لام الجر، والثانية لام التعريف، والثالثة لام هي فاء الكلمة باعتبار أن لفظ الجلالة مشتق من (ل ي ه) - وقد يريدون التخفيف فيقولون: لاه أنت، ولاه أبوك، ولاه ابن عمك، بلام واحدة - وقد اختلف العلماء حينئذ في الساقط من اللامات والباقي منها؛ فذهب سيبويه إلى أن المحذوف لام الجر ولام التعريف جميعا، والباقية هي اللام التي هي فاء الكلمة، ودليله على ذلك أن الباقية مفتوحة، ولام الجر مكسورة، ولام التعريف ساكنة، وذهب أبو العباس المبرد إلى أن المحذوف لام التعريف وفاء الكلمة، والباقية هي لام الجر، واغتذر عن فتحها بأن هذه الفتحة عارضة للمحافظة على الألف التي هي عين الكلمة، فإن اللام لو انكسرت لعادت الألف ياء، واحتج لما ذهب إليه بأن هذا الجر الذي في آخر الكلمة لا بد له من عامل، وقد علمنا أن حرف الجر لا يحذف ويبقى عمله إلا شذوذا، فلذلك لا نخرج عليه، وهذا الكلام مردود بأن اللام قد فتحت وليس بعدها ألف في قولهم (لهي أبوك) بمعنى للّه أبوك؛ فلو كانت هذه اللام هي الجارة لبقيت مكسورة حيث لا مقتضي لفتحها، فلما رأيناهم فتحوها بكل حال، وكنا نعلم أن لام الجر لا تفتح إلا إذا كان المجرور مضمرا أو مستغاثا به علمنا أنها مع هذا الاسم الظاهر الذي ليس مستغاثا به ليست لام الجر (أفضلت) معناه زدت وصرت ذا فضل وزيادة مجد (حسب) الحسب - بفتح الحاء والسين جميعا - كل ما يعده الإنسان من مآثره =