[ينقسم المتصل بحسب مواقع الإعراب إلى ثلاثة أقسام]
  وقال بعضهم(١): لا يختص ذلك بكلمة «نا» بل الياء، وكلمة «هم» كذلك؛ لأنّك تقول: «قومي» و «أكرمني» و «غلامي» و «هم فعلوا» و «إنّهم» و «لهم مال» وهذا غير سديد؛ لأنّ ياء المخاطبة غير ياء المتكلم، والمنفصل غير المتّصل.
  وألفاظ الضّمائر كلّها مبنيّة(٢)، ويختصّ الاستتار بضمير الرّفع(٣).
(١) قائل ذلك هو أبو حيان، وقد نظر أبو حيان في هذا الاعتراض إلى لفظ الضمير من غير اعتبار لمعناه ولا لكونه متصلا أو منفصلا، وهو قصور، وحاصل رد المؤلف وغيره ممن تصدوا للرد على أبي حيان أنه لا بد من النظر إلى معنى الضمير وإلى نوعه، فإن اتحد اللفظ والمعنى والنوع كان ضميرا واحدا، وإن اتحد اللفظ واختلف المعنى كياء المتكلم وياء المخاطبة، أو اتحد اللفظ واختلف النوع ككلمة «هم» فإنها في قولك:
«لهم» وقولك: «إنهم» ضمير متصل، وفي قولك: «هم يفعلون» ضمير منفصل، فهما متغايران، بخلاف «نا» فإن لفظها واحد، ومعناها - وهو المتكلم المعظم نفسه أو معه مواقع الإعراب الثلاثة الرفع والنصب والجر.
(٢) اتفق النحاة على أن الضمائر كلها مبنية، واتفق جمهورهم على أن سبب بنائها هو شبهها للحرف، ثم اختلفوا في نوع مشابهتها للحرف. فقيل: قد أشبهت الحرف شبها وضعيّا، لأن أكثر الضمائر على حرف واحد أو حرفين، والقليل الزائد على الحرفين محمول على الكثير، وقيل: أشبهت الحرف شبها معنويا، لأن التكلم والخطاب والغيبة من معاني الحروف، وقيل اشبهت الحرف شبها افتقاريا، لأن كل ضمير يحتاج في الدلالة على معناه إلى ضميمة مشاهدة أو غيرها، وقيل: أشبهت الحرف شبها جموديا، وأما غير جمهور النحاة فقالوا: إن سبب بناء الضمائر هو اختلاف صيغها لاختلاف معانيها واختلاف مواقعها من الإعراب، ونحن نعلم أن السبب الحامل على الإعراب هو الدلالة به على المعاني المختلفة، فلما كانت الدلالة على المعاني المختلفة من الفاعلية والمفعولية في الضمائر حاصلة بصيغها المختلفة لم تحتج إلى الإعراب.
(٣) فإن قلت: فإني أجد ضمير النصب مقدرا في نحو «إني أكرم الذي تكرم» أي الذي تكرمه، وفي ضمير الجر نحو قوله تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} أي منه، فكيف تقولون: إن الاستتار لا يكون إلّا لضمير الرفع؟.
فالجواب أن ننبهك إلى أن ما ذكرت من باب الحذف، أي أن الضمير كان مذكورا في الكلام ثم حذف، ولا كذلك المستتر؛ فقد التبس عليك الحذف بالاستتار.