[من آداب المحبة: محبة حبيب المحبوب]
  وعن بعضهم جرتْ مذاكرة في المحبة بمكة أيام موسم فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد أصغرهم سناً، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي فأطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال: المحب عبدٌ ذاهب عن نفسه، متصلٌ بذكر ربه، قائمٌ بأداء حقوقه، ناظرٌ إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هوّيته، وصفا شربه من كأس وده، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكت فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله، فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جبرك الله يا تاج العارفين، انتهى.
  فأعلى المحبة وأرقاها وأسماها وأعظمها وأكرمها هو حبنا لله جل وعلا الموصل إلى ما هو أجل وأعظم، وهو حب الله تعالى لنا الذي لا نصل إليه إلا بالإتباع لنبينا وحبيبنا محمد ÷، قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فجعل سبحانه وتعالى متابعة رسوله ÷ سبباً لمحبته لنا، وحب الله تعالى لنا أعظم من حبنا له، فالطاعة والانقياد والامتثال والإقبال والخشوع والخضوع والإخلاص لله تعالى حباً له عنوان محبته لنا، ومن هذا الباب قال رسول الله ÷ فيما يرويه عن رّبه ø أنه قال: «من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتهُ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»، من هنا يظهر حسن الإلتزام لأنه مع الله تعالى دائماً، فقد خالطت المحبة سمعَه وبصَره ويده ولسانَه وكل وجدانه، قال الله تعالى {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبَاً للهِ}.