الباب الثالث في أمهات مسائل أصول الدين التي لا يعذر في جهلها أحد من المكلفين على سبيل الجملة والاختصار
  اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام/١٠٣]، وإذا وجب الحمل على المجاز في مثل {جَنَاحَ الذُّلِّ}[الإسراء/٢٤]، بقرينة العقل وجب هنا.
  فإن قيل: إذا نفيتم عن اللّه تعالى صفات خلقه فما تقولون في مثل موجود حي قادر عالم؟ وهل هذه مما تطلق عليه تعالى وعلى غيره أم لا؟
  قلنا: قد بينا أن صفات اللّه تعالى ذاته، وذاته تعالى مخالفة لسائر الذوات، فلا اشتراك بينها في ماهيةٍ ولا حقيقة، ولأن المخلوق موجود بإيجاد فهو موجَد، وقادر بإقدار فهو مُقدَر، ونحو ذلك، وهذه عين المخالفة بين المخلوقين والخالق.
  وأما الوقوف على حقيقة كنه ذاته تعالى فمستحيل: كما قال تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه/١١٠]، وكما قال الوصي ~: «بايَنَهُم بصفته رباً كما باينوه بحدوثهم خلقاً»، وقوله #: «من تفكر في المخلوقات وحّد ومن تفكر في الخالق ألحد»، أو كما قال.
  المسألة الثامنة: أن اللّه تعالى غني لا تجوز عليه الحاجة، لأن الحاجة من صفات الأجسام، واللّه تعالى ليس بجسم ولا يشبه الجسم، وقد قال تعالى {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}[محمد/٣٨].
  المسألة التاسعة: أن اللّه تعالى لا يُرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة.
  والدليل على ذلك: أنا وجدنا المرئيات أجساماً وأعراضاً لا غير، وكلها مُحدثة، واللّه تعالى ليس بجسم ولا عَرَض ولا مُحدث، فوجب أن لا يُرى.
  وقد قال تعالى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام/١٠٣]، وقد قال تعالى: {لَن تَرَانِي}[الأعراف/١٤٣]، فنفى الرؤية على جهة