هذا باب إعراب الفعل
= فاعلم أيضا أنهم كلهم متفقون على أنه إذا تجرد من النواصب والجوازم فهو مرفوع لفظا نحو (يضرب) من قولك: (يضرب زيد عمرا) أو تقديرا نحو (يسعى) من قولك:
(يسعى محمد إلى الخير) أو محلّا نحو (يسعين) من قولك: (ليسعين محمد إلى الخير) ولكنهم يختلفون في بيان العامل الذي عمل فيه الرفع، ولهم في هذا الموضوع أربعة أقوال، ونحن نذكرها لك موضحة، ونذكر لك - مع كل قول - ما عسى أن يكون قد ورد عليه من الاعتراض، ثم ما عسى أن يندفع به هذا الاعتراض إن رأينا أنه مدفوع.
القول الأول - وهو قول الفراء وغيره من حذاق الكوفيين، وقول الأخفش من البصريين، وهو اختيار ابن مالك - وحاصله أن الذي يرفع المضارع لفظا أو تقديرا أو محلّا هو تجرده من الناصب والجازم، وإلى هذا يشير قول ابن مالك:
ارفع مضارعا إذا يجرّد ... من ناصب وجازم كتسعد
وقد استدلوا لهذا المذهب بأن الرفع يدور مع التجرد من النواصب والجوازم وجودا وعدما، نعني أنه كلما وجد التجرد المذكور وجد الرفع، وكلما امتنع التجرد المذكور بأن سبقه ناصب أو جازم امتنع الرفع، وقد علمنا أن الدوران مسلك من مسالك العلة، نعني أننا نستدل به على أن الأمر الذي يدور معه الحكم وجودا وعدما علة لهذا الحكم الدائر.
واعترض على هذا القول بأن التجرد أمر عدمي، والرفع أمر وجودي، والأمر العدمي لا يكون علة للوجودي.
وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه مبني على فهم خاطئ، وذلك لأن المعترض فهم أن معنى التجرد عدم وجود الناصب والجازم، لكن المحققين لا يفسرون التجرد بذلك، وإنما يفسرونه بأنه كون الفعل خاليا من الناصب والجازم، أي وجود الفعل على هذه الحالة، وهذا الجواب محصله منع كون التجرد أمرا عدميا، وقد يجاب بمنع كون الأمر العدمي لا يكون علة في الأمر الوجودي بأن هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو خاص بما كان عدميا مطلقا، لكن إذا كان عدميا مقيدا صح أن يكون علة للوجودي، وههنا التجرد من قبيل العدمي المقيد، لأنه عدم عامل النصب وعامل الجزم.
القول الثاني: وهو قول جمهور البصريين إلا الأخفش والزجاج - وحاصله أن العامل الرافع للفعل المضارع هو حلوله محل الاسم، ألا ترى أن (يقوم) في قولك (زيد يقوم) قد حلّ محل قائم من قولك: (زيد قائم).
وقد اعترض على هذا القول بأن المضارع قد وقع في مواقع كثيرة مرفوعا مع أن الاسم =