أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[يفترقان أيضا في خمسة أمور أيضا]

صفحة 241 - الجزء 4


= الجمهور هو من مضمرة، وزعم الزجاج أن جره بإضافة كم إليه وليس بصحيح، لأن كم الاستفهامية بمنزلة العدد المركب كأحد عشر وهو لا يعمل الجر في التمييز.

أما تمييز كم الخبرية فإن الأصل فيه أن يكون مجرورا، وجره بإضافة كم إليه عند الجمهور، ووجهه أن كم الخبرية أشبهت العشرة فكان تمييزها جمعا مجرورا وأشبهت المائة فكان تمييزها مفردا مجرورا، ولما كان جر تمييز العشرة والمائة بالإضافة أعطيت كم حكمهما لشبهها بهما، وقال الفراء: إن جره بمن مضمرة، ونسب ذلك إلى الكوفيين، وهذا القول عندنا أرجح من قول الجمهور، لأن (من) قد ظهرت جارة للتمييز في أفصح كلام، من ذلك قول اللّه تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً} بل قد يجب جر التمييز بمن في موضع سنذكره لك فيما بعد، فإذا كانت من تظهر وجوبا أو جوازا كان الأصح تقديرها إذا أضمرت.

الوجه الثالث: أن كم الخبرية تختص بالزمن الماضي نحو قولك؛ (كم دينار أنفقت) ولا يجوز أن تقول: (كم دينار سأنفقه) ووجه ذلك أن الخبرية تدل على التكثير، ومن المعلوم أن التقليل والتكثير إنما يمكن الحكم بهما فيما وقع وعرف حده، فأما ما لم يقع فهو مجهول غير معروف الحدود فلا يمكن تكثيره، فأما الاستفهامية فلا تختص بالماضي لعدم دلالتها على التكثير في الراجح، فيجوز لك أن تقول (كم كتابا ستشتريه) كما تقول (كم كتابا اشتريته).

الوجه الرابع: أنه يجوز الفصل بين كم الاستفهامية وتمييزها في السعة نحو قولك:

(كم في دارك رجلا؟) أما تمييز كم الخبرية المجرور بإضافتها إليه فلا يقع الفصل بينه وبينها إلا في الضرورة لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه غير جائز، وهذا مذهب جمهور البصريين وتعليلهم مبني على ما ذهبوا إليه من أن جر تمييز الخبرية بإضافتها إليه، وقد ذهب الكوفيون إلى جواز الفصل بين كم الخبرية وتمييزها بناء على رأيهم من أن جره بمن مضمرة، وقد استدلوا لما ذهبوا إليه بقول الشاعر:

كم دون ميّة موماة يهال لها ... إذا تيمّمها الخرّيت ذو الجلد

وقول الآخر:

كم بجود مقرف نال العلا ... وكريم بخله قد وضعه

وقول الآخر:

كم في بني بكر بن سعد سيّد ... ضخم الدّسيعة ماجد نفّاع

=