أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب كنايات العدد

صفحة 247 - الجزء 4


= تمييز كأي لا يكون إلا مجرورا بمن، وهو محجوج بوروده منصوبا في البيت رقم ٥٣٠ وما أنشدناه معه.

الثالث: أن جمهور النحاة قد ذهبوا إلى أن (كأي) لا يدخل عليها حرف الجر، وذهب ابن قتيبة وابن عصفور إلى جواز جر كأي بحرف الجر، وأنه يجوز لك أن تقول: بكأي تبيع هذا الثوب، أما كم فيدخل عليها حرف الجر عند الجميع.

الرابع: أن جمهور النحاة على أن (كأي) نوع واحد، وهو الخبرية التي بمعنى كثير، ولا تكون استفهامية، وذهب ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك إلى أنها تكون استفهامية كما تكون خبرية، وقد مضى ذكر ذلك في وجوه الاتفاق.

الخامس: أن تمييز (كأي) لم يجئ إلا مفردا كما في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} وقوله سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} وقوله جل ذكره {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ} وقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ} وقوله: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها} وقوله جل ذكره {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها} وقوله تعالت كلماته {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً} أما تمييز كم الخبرية فقد جاء مفردا مثل قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً} ومثل قوله سبحانه: {وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ} وجاء جمعا نحو قول الشاعر:

كم ملوك باد ملكهم ... ونعيم سوقة بادا

ثم اعلم أن (كأي) تقع مبتدأ، وهل يجب أن يكون خبرها شيئا معينا أم يجوز أن يكون كل ما يقع خبرا للمبتدأ أن يكون خبرا لها؟

قال الشيخ خالد «ومنها (أي من وجوه الفرق بين كم وكأي) أن خبرها لا يقع مفردا» وتوسع تلميذه السيوطي في المنع فقال: «ولا يخبر عنها (أي عن كأي) إذا وقعت مبتدأ إلا بجملة فعلية مصدرة بماض أو مضارع، نحو {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} ونحو {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها} اه كلامه.

لكن بالتأمل في استعمالات هذه الكلمة تجدها وقعت مبتدأ خبره جملة فعلية فعلها ماض كالآية الأولى في كلام السيوطي. وتجدها وقعت مبتدأ خبره جملة فعلية فعلها مضارع كما في الآية الثانية من كلامه، وتجدها قد وقعت مبتدأ خبره جملة اسمية كما في أحد احتمالين أشرنا إليها (ص ٢٤٨) في قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها} إذا جعلت جملة (اللّه يرزقها) هي الخبر لأنها محط الفائدة =