هذا باب المبتدأ والخبر
  لأن «يداك» في قوة مبتدأين لكل منهما خبر، ومن نحو قولهم: «الرّمّان حلو حامض»، لأنهما بمعنى خبر واحد، أي: مزّ، ولهذا يمتنع العطف على الأصح، وأن يتوسط المبتدأ بينهما(١)، ومن نحو: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ}(٢)؛ لأن الثاني تابع.
= يكن، فإن هذا البيت والمثال الذي بعده والآية الكريمة، كلها من باب التعدد المطلق.
فافهم ذلك وتدبره.
ومثل بيت الشاهد في كل ما ذكرنا قول الشاعر:
كفّاك كفّ ما تليق درهما ... جودا، وأخرى تعط بالسّيف الدّما
ومثله أيضا قول نافع بن نفيع الفقعسي:
عظمت روادفها وأكمل خلقها ... والوالدان نجيبة ونجيب
ومن هذا الضرب قول الأحوص:
ثنتان لا أصبو لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب
ومن هذه البابة قول المسيب بن علس:
كفّاه مخلفة ومتلفة ... وعطاؤه متخرق جزل
(١) معنى كون هذين الخبرين بمعنى خبر واحد هو «مز» أن المخبر عنه وهو الرمان مشتمل على طرف من الأول وطرف من الثاني، وليس معناه أنه مشتمل على الخبرين معا، ألست ترى أن المعنى أنه ليس تام الحلاوة ولا تام الحموضة، ولكنه بينهما، وإنما لم يجز أن يعطف أحد الخبرين في هذه المسألة على الآخر لأن العطف يقتضي أن الثاني غير الأول، وقد ذهب أبو علي الفارسي في أحد قولين له إلى جواز عطف أحدهما على الآخر، وكما لا يصح أن يتوسط المبتدأ بين الخبرين لا يصح أن يتأخر المبتدأ عنهما جميعا، وقد ذكرنا لك هذا في مسائل تأخير الخبر وجوبا، وكذلك لا يصح أن يجعل الثاني منهما بدلا من الأول، لأنك لو جعلته بدلا لأفاد أن المبتدأ موصوف بأحدهما، وليس هذا هو المراد، وكذلك لا يجوز أن نجعل الثاني نعتا للأول لأن في ذلك وصف الشيء بما يناقضه، وزعم الأخفش أن جعل الثاني نعتا للأول جائز، على معنى أنه حلو فيه حموضة، ولا يصح أن تجعل الثاني خبرا لمبتدأ محذوف لأن ذلك يفوت المعنى المراد.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ٣٩.