هذا باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر
  فمن باب «ما زيد إلّا سيرا»(١)، أي: إلّا يسير سيرا؛ والتقدير: إلّا يدور دوران منجنون، وإلّا يعذّب معذّبا، أي: تعذيبا.
  ولأجل هذا الشرط أيضا وجب الرفع بعد «بل» و «لكن» في نحو: «ما زيد
= ظاهره أن الشاعر قد أعمل ما النافية في الموضعين عمل ليس، فرفع بها الاسم ونصب الخبر، مع أن الخبر قد انتقض نفيه بسبب دخول إلّا عليه. وقد تمسك بهذا الظاهر يونس بن حبيب شيخ سيبويه، وتبعه الشّلوبين على ذلك، زعما أن انتقاض نفي خبر ما بإلا لا يمنع من إعمالها عمل ليس، استنادا إلى هذا الشاهد ونحوه.
والجمهور يؤولون هذا البيت، ولهم في تأويله وجهان.
الوجه الأول: أن يكون كل من قوله «منجنونا» وقوله «معذبا» مفعولا به لفعل محذوف، وتقدير الكلام: وما الدهر إلّا يشبه منجنونا وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا، والفعل المحذوف وفاعله المستتر فيه ومفعوله في محل رفع خبر عن المبتدأ، فالمنصوب بعد ما ليس معمولا لها.
والوجه الثاني: أن يكون كل من «منجنونا» و «معذبا» مفعولا مطلقا لفعل محذوف.
وأصل الكلام: وما الدهر إلّا يدور دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلّا يعذب معذبا، وهذا هو الوجه الذي ذكره المؤلف، ومعذب على هذا مصدر ميمي بمعنى التعذيب، و «الدهر» و «صاحب الحاجات» مبتدآن أخبر عن كل منهما بالجملة الفعلية المقدر فعلها بعده.
ومنهم من اختصر الطريق فذكر أن هذا البيت شاذ فلا يقاس عليه.
(١) يريد المؤلف أن المنصوب في البيت من باب المفعول المطلق الواقع عامله المحذوف خبرا عن اسم ذات مبتدأ، نحو قولهم «ما زيد إلّا سيرا» فإن «سيرا» في هذا المثال مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا، والتقدير: ما زيد إلّا يسير سيرا، والفعل المحذوف مع فاعله المستتر فيه جملة في محل رفع خبر للمبتدأ، ونظير «سيرا» من بيت الشاهد قول الشاعر «منجنونا» فهو منصوب على أنه مفعول مطلق بتقدير مضاف، وقد حذف العامل فيه وجوبا، وتقدير الكلام: وما الدهر إلّا يدور دوران منجنون، على ما ذكرناه في شرح البيت.
فإن قلت: فلماذا كان حذف العامل في قولهم «سيرا» وفي قول الشاعر «منجنونا» واجبا على ما تقول؟.
فالجواب أن نقول لك: إنك ستعلم في باب المفعول المطلق أن ما كان منه محصورا =