[عملها، وعددها]
[عملها، وعددها]
  فتنصب المبتدأ ويسمى اسمها، وترفع خبره ويسمى خبرها(١).
= قلت: كان هذا يكفي لو لم يكن في العربية أفعال جامدة لا تتصرف، مثل عسى ونعم وبئس وفعل التعجب وحبذا، فأما وفي العربية أفعال لا تتصرف فإن عدم تصرف هذه الكلمات لا يكفي في إعلان أنها حروف، فلم يكن بد من شيء آخر، فكان ما ذكرنا.
(١) ههنا أمران يجب أن تتنبه لهما.
(الأول) أن هذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيها حذف المبتدأ، كما لا تدخل على مبتدأ لا يخرج عن الابتدائية مثل «ما» التعجبية كما لا تدخل على مبتدأ يجب له التصدير: أي الوقوع في صدر الجملة، كاسم الاستفهام، ويستثنى من هذا الأخير ضمير الشأن؛ فإنه مما يجب تصديره وقد دخلت عليه «إن» في قول الأخطل التغلبي:
إنّ من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء
فإن: حرف توكيد ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، ومن: اسم شرط مبتدأ خبره جملة الشرط وجوابه أو إحداهما، والمبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، ولا يجوز أن تجعل اسم الشرط اسما لأن؛ لكونه مما يجب له التصدير، وقد حمل على ذلك قوله ﷺ: «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» فإن: حرف توكيد ونصب، واسمها ضمير شأن محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، و «المصورون» مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن، وهذا هو الراجح في إعراب هذا الحديث على هذه الرواية، ومنهم من جعل «من» الجارة في قوله: «من أشد» زائدة على مذهب الكسائي الذي يجيز زيادة من الجارة في الإيجاب، ويجعل - على هذا - «أشد» اسم إن، و «المصورون» خبرها، وهو مبني على المذهب الضعيف. ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون الخبر فيها طلبيا وإنشائيا، فأما قوله تعالى: {إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} وقول الشاعر:
إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
فإنها كلها - خلافا لابن عصفور - على تقدير قول محذوف يقع خبرا لأن، وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، والتقدير: إن الذين قتلتم سيدهم أمس مقول في شأنهم لا تحسبوا - إلخ، وقدر قوم الخبر في هذا البيت: إن الذين قتلتم سيدهم أمس قد استعدوا لكم وأخذوا الأهبة لقتالكم فلا تحسبوا ليلهم - إلخ، وكذلك الباقي. =