وإنما يبنى الاسم إذا أشبه الحرف، وأنواع الشبه ثلاثة:
  في نحو: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ}(١) لضعف الشّبه بما عارضه من ملازمتها للإضافة التي هي من خصائص الأسماء(٢).
  والثاني نحو: «هنا» فإنها متضمّنة لمعنى الإشارة، وهذا المعنى لم تضع العرب(٣) له حرفا، ولكنه من المعاني التي من حقّها أن تؤدّى بالحروف؛ لأنّه كالخطاب والتّنبيه، فهنا مستحقة للبناء؛ لتضمّنها لمعنى الحرف الذي كان يستحق الوضع.
  وإنما أعرب «هذان، وهاتان» - مع تضمّنهما لمعنى الإشارة - لضعف الشّبه بما عارضه من مجيئها على صورة المثنّى؛ والتّثنية من خصائص الأسماء(٤).
(١) سورة الأنعام، الآية: ٨١.
(٢) فإن قلت: فلماذا بنيت «لدن» مع أنها ملازمة للإضافة مثل أي؟.
فالجواب عن ذلك أن نذكرك أولا بأن للعرب في لدن لغتين إحداهما الإعراب وهي لغة قيس، وعلى هذا يسقط هذا السؤال ويصبح كلام النحاة مستقيما، وهو أن الإضافة التي هي من خصائص الأسماء إذا لازمت كلمة، وكان في هذه الكلمة شبه للحرف عارض لزوم الإضافة شبه الحرف فبقيت على ما هو الأصل في الاسم وهو الإعراب، واللغة الثانية في لدن البناء، وهي لغة عامة العرب، ويعتذر عن هذه اللغة بأن هؤلاء قد وجدوا في لدن شبها للحرف من جهة اللفظ لأنهم قد قالوا فيها «لد» فهي على حرفين، كما وجدوا فيها شبها معنويا لأنها موضوعة لمعنى نسبي وهو أول الغاية في الزمان أو المكان، ووجدوا فيها شبها استعماليا وهو لزوم استعمالها في وجه واحد وامتناع الإخبار بها أو عنها، بخلاف «عند» التي بمعناها فإنها تجيء فضلة وتجيء عمدة، فلما وجدوها قوية الشبه بالحرف من عدة أوجه جنحوا إلى اعتبار هذا الشبه ولم يبالوا بالإضافة.
(٣) قد يقال: إنهم نصوا على أن اللام العهدية يشار بها إلى معهود ذهنا، وهي حرف فقد وضعوا للإشارة حرفا هو أل العهدية، غاية ما في الباب أنها للإشارة الذهنية، ولا فرق بينها وبين الخارجية.
(٤) اعلم أولا أن للنحاة في «هذين» و «هاتين» نصبا وجرا و «هذان» و «هاتان» رفعا - مذهبين: أحدهما أنها مثنيات حقيقة، وأنها معربات بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا كسائر المثنيات، ووجه هذا المذهب أنه قد عارض شبه الحرف ما هو من خصائه =