أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخبر، فتنصبهما مفعولين

صفحة 32 - الجزء 2

  وقوله:

  [١٧١] -

  دريت الوفيّ العهد يا عرو فاغتبط


= «غرة» اسم أن مؤخر، وأن ومعمولاها سدت مسد مفعولي تعلم.

الشاهد فيه: قوله: «تعلم أن للصيد غرة» حيث استعمل تعلم بمعنى اعلم، وعداها إلى مفعوليها بواسطة أن المؤكدة المفتوحة الهمزة وصلتها، وهو الكثير في الاستعمال.

[١٧١] - هذا صدر بيت من الطويل، وعجزه قوله:

فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد

وهذا الشاهد لم ينسبوه أيضا إلى قائل معين.

اللغة: «دريت» بالبناء للمجهول - من «درى» إذا علم «فاغتبط» أمر من الغبطة. وهي:

أن تتمنى مثل حال غيرك من غير أن تتمنى زوال حاله عنه، وأراد الشاعر بأمره بالاغتباط أحد أمرين: أولهما الدعاء له بأن يدوم له ما يغبطه الناس من أجله، والثاني حمله على أن يبقى على اتصافه بالصفات الحميدة التي تجعل الناس يغبطونه.

المعنى: إن الناس قد عرفوك الرجل الذي يفي إذا عاهد، فيلزمك أن تغتبط بهذا وتقرّ به عينا، ولا لوم عليك في الاغتباط به لأن هذا من محامد الخصال.

الإعراب: «دريت»: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعل، وهو المفعول الأول «الوفي» مفعول ثان «العهد» يجوز جره بالإضافة، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، ورفعه على الفاعلية؛ لأن قوله: «الوفي» صفة مشبهة، والصفة المشبهة يجوز في معمولها الوجوه الثلاثة «يا عرو» يا: حرف نداء، وعرو: منادى مرخم بحذف التاء، وأصله عروة «فاغتبط» الفاء عاطفة، اغتبط: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فإن» الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب «اغتباطا» اسمها «بالوفاء» جار ومجرور متعلق باغتباط «حميد» خبر «إن» مرفوع بالضمة الظاهرة.

الشاهد فيه: قوله: «دريت الوفي العهد» فإن «درى» فعل دال على اليقين، وقد نصب مفعولين: أحدهما التاء التي وقعت نائب فاعل، والثاني هو قوله «الوفي» على ما سبق بيانه.

هذا، واعلم أن «درى» يستعمل على طريقين، أحدهما: أن يتعدى لواحد بالباء نحو قولك: دريت بكذا، فإن دخلت عليه همزة التعدية تعدى بها لواحد ولثان بالباء، كما في قوله تعالى: {وَلا أَدْراكُمْ بِهِ} والثاني: أن ينصب مفعولين بنفسه كما في بيت الشاهد، ولكنه قليل.