هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخبر، فتنصبهما مفعولين
  وقوله:
  [١٧١] -
  دريت الوفيّ العهد يا عرو فاغتبط
= «غرة» اسم أن مؤخر، وأن ومعمولاها سدت مسد مفعولي تعلم.
الشاهد فيه: قوله: «تعلم أن للصيد غرة» حيث استعمل تعلم بمعنى اعلم، وعداها إلى مفعوليها بواسطة أن المؤكدة المفتوحة الهمزة وصلتها، وهو الكثير في الاستعمال.
[١٧١] - هذا صدر بيت من الطويل، وعجزه قوله:
فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد
وهذا الشاهد لم ينسبوه أيضا إلى قائل معين.
اللغة: «دريت» بالبناء للمجهول - من «درى» إذا علم «فاغتبط» أمر من الغبطة. وهي:
أن تتمنى مثل حال غيرك من غير أن تتمنى زوال حاله عنه، وأراد الشاعر بأمره بالاغتباط أحد أمرين: أولهما الدعاء له بأن يدوم له ما يغبطه الناس من أجله، والثاني حمله على أن يبقى على اتصافه بالصفات الحميدة التي تجعل الناس يغبطونه.
المعنى: إن الناس قد عرفوك الرجل الذي يفي إذا عاهد، فيلزمك أن تغتبط بهذا وتقرّ به عينا، ولا لوم عليك في الاغتباط به لأن هذا من محامد الخصال.
الإعراب: «دريت»: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعل، وهو المفعول الأول «الوفي» مفعول ثان «العهد» يجوز جره بالإضافة، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، ورفعه على الفاعلية؛ لأن قوله: «الوفي» صفة مشبهة، والصفة المشبهة يجوز في معمولها الوجوه الثلاثة «يا عرو» يا: حرف نداء، وعرو: منادى مرخم بحذف التاء، وأصله عروة «فاغتبط» الفاء عاطفة، اغتبط: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فإن» الفاء للتعليل، إن: حرف توكيد ونصب «اغتباطا» اسمها «بالوفاء» جار ومجرور متعلق باغتباط «حميد» خبر «إن» مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله: «دريت الوفي العهد» فإن «درى» فعل دال على اليقين، وقد نصب مفعولين: أحدهما التاء التي وقعت نائب فاعل، والثاني هو قوله «الوفي» على ما سبق بيانه.
هذا، واعلم أن «درى» يستعمل على طريقين، أحدهما: أن يتعدى لواحد بالباء نحو قولك: دريت بكذا، فإن دخلت عليه همزة التعدية تعدى بها لواحد ولثان بالباء، كما في قوله تعالى: {وَلا أَدْراكُمْ بِهِ} والثاني: أن ينصب مفعولين بنفسه كما في بيت الشاهد، ولكنه قليل.