هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخبر، فتنصبهما مفعولين
  وقوله:
  [١٩٠] -
  وما إخال لدينا منك تنويل
= الشاهد فيه: قوله «وجدت ملاك الشيمة الأدب» فإن ظاهره أنه ألغى «وجدت» مع تقدمه، لأنه لو أعمله لقال «وجدت ملاك الشيمة الأدبا» بنصب «ملاك» و «الأدب» على أنهما مفعولان، ولكنه رفعهما، والعلماء يختلفون في تخريج هذا البيت وأمثاله مما جاء فيه رفع المبتدأ والخبر الواقعين بعد فعل من أفعال القلوب.
فقال الكوفيون: هو على الإلغاء والإلغاء جائز مع التقدم جوازه مع التوسط والتأخر، لأن أفعال القلوب ضعيفة عن بقية الأفعال المتعدية، فهذا الإلغاء أثر من آثار ضعفها.
وقال البصريون: ليس كذلك، بل هو محتمل لثلاثة أوجه من التخريج:
الأول: أنه من باب التعليق، ولام الابتداء مقدرة الدخول على «ملاك».
والثاني: أنه من باب الإعمال، والمفعول الأول ضمير شأن محذوف، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مفعول ثان، على ما بيناه في إعراب البيت.
والثالث: أنه من باب الإلغاء، لكن سبب الإلغاء أن الفعل لم يقع في أول الكلام، بل قد سبقه قول الشاعر «أني» وهذه هي الصورة الثالثة من الصور المبيحة للإلغاء كما سبق التنبيه إليه.
والمنصف الذي يعرف مواطن الحق يدرك ما في هذه التأويلات من التكلف ولا يسعه إلّا أن يحكم في هذه المسألة - بعد ثبوت رواية هذا الشاهد ونحوه على ما رواه الكوفيون - بمذهب الكوفيين، وذلك لأن الأصل أن يحكم بدلالة ظاهر الشاهد، ما لم تدع داعية قام عليها الدليل إلى تأويله، وإلّا يكن الأمر كذلك تصبح دلالة الشواهد غير موثوق بها ولا مطمأن إليها، لأن التأويل في كل كلام ممكن.
[١٩٠] - هذا عجز بيت من البسيط، وصدره قوله:
أرجو وآمل أن تدنو مودّتها
والبيت لكعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، من قصيدته التي يمدح بها سيدنا ومولانا رسول اللّه ﷺ، والتي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول
اللغة: «بانت» بعدت وفارقت «متبول» اسم مفعول من تبله الحب: أي أضناه وأسقمه «متيم» اسم مفعول من تيمه الحب - بالتضعيف - إذا ذلله وقهره وعبده «إثرها» بعدها، وهو ظرف متعلق بمتيم «يفد» أصله من قولهم: فدى الأسير يفديه فداء؛ إذا دفع لآسريه =