أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب الفاعل

صفحة 79 - الجزء 2


= وأما رواية الرفع فهي التي أنشد المؤلف البيت هنا عليها، وهي التي تمسك بها الكوفيون، وهي التي أعربنا البيت عليها على ما رآه الكوفيون فيه. والتقدير عندهم أي شيء ثابت للجمال حال كونها وئيدا مشيها، وعندهم أن الفاعل يجوز أن يجيء قبل العامل فيه كما يجيء بعده.

والبصريون لا يجيزون أن يتقدم الفاعل على عامله، لوجهين:

أحدهما: أن الفاعل مع فعله ككلمة ذات جزأين صدرها هو الفعل وعجزها هو الفاعل، وكما لا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها لا يجوز تقديم ما هو بمنزلة العجز على ما هو بمنزلة الصدر.

وثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ، وذلك أنك إذا قلت «زيد قام» وكان تقديم الفاعل جائزا - لم يدر السامع أأردت الابتداء بزيد والإخبار عنه بجملة قام وفاعله المستتر فيه أم أردت إسناد قام وحده إليه، ولا شك أن بين الحالين فرقا، فإن جملة الفعل وفاعله تدل على حدوث الشيء بعد أن لم يكن، وجملة المبتدأ وخبره الفعلي تدل على ثبوت الشيء وتأكيد إسناده إلى من قام به أو وقع منه، ولا يجوز إغفال هذا الفرق وادعاء أنه مما لا يتعلق به غرض المتكلم الذي يريد إفادة المخاطب أصل معنى الكلام الذي هو ثبوت المسند للمسند إليه أو نفيه عنه، على أي وجه من الوجوه كان هذا الثبوت أو النفي، فأما ما وراء ذلك من الملابسات فإنه من الأغراض التي لا تعني هذا المتكلم، وإنما تعني متكلما يدقق في ألفاظ الكلام، وهي التي يتوجه إليها نظر علماء البلاغة.

وإذا كان الأمر على هذا الوجه فقد خرج البصريون رواية الرفع في البيت على غير ما وجهها الكوفيون به، ولهم فيها توجيهان:

أحدهما: أن يكون «مشيها» مبتدأ، و «وئيدا» حال من فاعل فعل محذوف، والتقدير:

مشيها يظهر وئيدا، وجملة الفعل المحذوف مع فاعله في محل رفع خبر المبتدأ.

والوجه الثاني: أن يكون «مشيها» بدلا من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا وهو «للجمال» فإنك قد علمت أن متعلق هذا الجار والمجرور كان يتحمل ضميرا مرفوعا بالفاعلية، وأنه لما حذف المتعلق انتقل الضمير إلى الجار والمجرور.

وفي كل واحد من هذين التوجيهين مقال أوضحناه في شرحنا على شرح الأشموني.

ومن العلماء من ذكر أن هذا البيت شاذ لا يقاس عليه ومعناه أنه سلم الظاهر، ولكنه لم يسلم أنه يصح الاستدلال به. -