أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب الاشتغال

صفحة 149 - الجزء 2

  وقال الأخفش: أخوات الهمزة كالهمزة: نحو: «أيّهم زيدا ضربه»، «ومن أمة اللّه ضربها»، ومنها النفي بما أو لا أو إن، نحو: «ما زيدا رأيته» وقيل: ظاهر مذهب سيبويه اختيار الرفع، وقال ابن الباذش وابن خروف: يستويان، ومنها: «حيث» نحو: «حيث زيدا تلقاه أكرمه» كذا قال الناظم⁣(⁣١)، وفيه نظر.


= في أدوات الاستفهام أن يليها الفعل، لأن الأسماء دالة على الذوات والأفعال دالة على الصفات والمعاني القائمة بالذات، والذات معلومة غالبا فلا يسأل عنها، وإنما يسأل عما يقوم بها من الأوصاف، وأما الأصل الثاني فإن حاصله أن تالي همزة الاستفهام هو المسؤول عنه، فأما ما بعده فهو معلوم ثابت، فإذا قلت «أضربت زيدا» كنت مستفهما عن ضرب المخاطب زيدا، وإذا قلت «أزيد ضربته أم عمرو» كنت عالما بأن المخاطب قد ضرب أحد الاثنين، ولكنك لا تعرف عينه، وأنت تريد أن يعين لك المخاطب واحدا منهما، فإذا قلت «أزيدا ضربته أم عمرا» كان الكلام على تقدير فعل يلي الهمزة، وعلى الأصل الذي قررناه يكون المستفهم عنه هو الفعل، مع أن حقيقة الأمر أن الفعل معلوم لك، والمعلوم لا يستفهم عنه، فتعارض الأصلان في هذه الصورة، فأما ابن الطراوة فجنح إلى اعتبار الأصل الثاني لتمييز بعض المعاني عن بعض، فأوجب رفع الاسم التالي للهمزة إن كان الاستفهام عن الاسم، لئلا يكون الكلام على تقدير فعل فيلتبس المراد، وهذا هو ما أشار إليه الأخفش بقوله «هذا هو الأصل» عندما قال له مروان «إنما المستفهم عنه هنا الاسم لا الفعل» وجنح الأخفش إلى اعتبار الأصل الأول ومعه سائر النحاة. وتركوا تمييز المعاني إلى القرائن، فاعرف هذا فإنه بحث نفيس.

(١) عبارة الناظم في شرح الكافية «ومن مرجحات النصب تقدم حيث مجردة من ما، نحو «حيث زيدا تلقاه فأكرمه» لأنها تشبه أدوات الشرط؛ فلا يليها في الغالب إلا فعل، فإن اقترنت بما صارت أداة شرط واختصت بالفعل» اه. وابن هشام قد وافقه في مغني اللبيب على تقرير هذه القاعدة حيث يقول: «وإضافة حيث إلى الجملة الفعلية أكثر، ومن ثم ترجح النصب في نحو قولك: «جلست حيث زيدا أراه» اه. ولكنه في كتابنا هذا لم يوافقه، ولذا تراه يقول: كذا قال الناظم» فيتبرأ من هذا الكلام، ثم يقول: «وفيه نظر» والذي أريد أن أنبهك إليه هو أن التنصل من القول وتوجيه النظر إليه ليس راجعا إلى القاعدة نفسها، وإنما هو راجع إلى المثال الذي مثل به، وهو قوله: «حيث زيدا تلقاه فأكرمه» فإن «حيث» هنا إن كانت شرطية غير جازمة لعدم اقترانها بما - والباعث على اعتبارها شرطية دخول الفاء في جوابها - كان المثال مما يجب فيه النصب، وإن =