هذا باب التنازع في العمل
  خلافا له وللجرجاني؛ لأن الطالب للمعمول إنما هو الأول، وأما الثاني فلم يؤت به للإسناد، بل لمجرّد التقوية، فلا فاعل له، ولهذا قال:
  [٢٤٠] -
  أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس
= «بالعقيق» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لخل «نواصله» نواصل: فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن، وضمير الغائب مفعول به.
الشاهد فيه: قوله: «هيهات هيهات العقيق» فقد تقدم في هذه العبارة عاملان وهما اسما فعلين، وتأخر عنهما معمول واحد وهو قوله «العقيق» ومع أن كل واحد من العاملين المتقدمين صالح للعمل في المعمول المتأخر فإن العمل للأول منهما، وليس للثاني عمل فيه، وذلك لأن من شرط التنازع أن يكون المعمول المتأخر مطلوبا لكل واحد من العاملين المتقدمين من جهة المعنى، وأنت إذا تأملت في هذه العبارة وجدت أن المعمول المتأخر - وهو قوله: «العقيق» - مطلوبا من حيث المعنى للعامل الأول من العاملين المتقدمين، وأن العامل الثاني لم يؤت به في الكلام إلا لمجرد التقوية لمعنى العامل الأول وتوكيده، فكأنه قد قال: بعد العقيق بعدا لا مزيد عليه. وبيان ذلك أنك إذا قلت «قام زيد» دل ذلك الكلام على حدوث القيام من زيد في الزمن الماضي، ثم تارة تريد أن تؤكد حدوث القيام فقط فتقول «قام قام زيد» ردا على من تردد أو أنكر القيام، وتارة تريد أن تؤكد كون القيام المعلوم واقعا من زيد فتقول «قام زيد زيد» ردا على من تردد أو أنكر نسبة المعترف بحصوله - وهو القيام - إلى زيد، وتارة تريد أن تؤكد حدوث القيام في الزمن الماضي من زيد وهو مضمون الجملة فتقول «قام زيد قام زيد» ردا على من أنكر أو تردد في هذا المضمون، وظاهر لك من هذا الكلام أنك حين قلت «قام قام زيد» لم تأت بقام الثاني لتسنده إلى زيد المذكور في الكلام ولا إلى ضمير مستتر يعود إليه، وإلا كان الكلام من المهيع الثالث، وإنما أتيت به لتؤكد المعنى الذي يدل عليه قام؛ لأنك إنما أردت الرد على مخاطب لك أنكر قيامه أو تردد فيه، وههنا نجد الأمر كذلك، فكأن الشاعر استشعر إنكارا من منكر أو ترددا من متردد في بعد هذا المكان الذي يقيم فيه أحباؤه؛ فأتى بهيهات الثاني ليؤكد المعنى الذي يدل عليه الأول وهو البعد، فافهم هذا، واللّه يرشدك ويتولاك.
[٢٤٠] - هذا عجز بيت من الطويل، وصدره قوله:
فأين إلى أين النّجاة ببغلتي
=