هذا باب المفعول المطلق
= معشر البصريين، وذلك نحو عسى وليس ونعم وبئس وفعل التعجب، فلو قلنا إن المصدر أصل والفعل فرع كانت هذه الأفعال فروعا لا أصل لها، وهو أمر محال أن يوجد فرع لا أصل له، فأما إذا قلنا إن الفعل هو الأصل كانت هذه الأفعال أصولا لا فروع لها، ولا غرابة في ذلك.
وأما البصريون فاستدلوا على ما ذهبوا إليه من أن المصدر أصل للفعل وغيره من المشتقات بأربعة أدلة، ونحن نلخصها لك فيما يلي:
الدليل الأول: أن المصدر يدل على زمان مطلق، بدلالة الالتزام، والفعل يدل على زمان معين، بدلالة المطابقة، وبيان ذلك أن العرب لما أرادوا أن يستعملوا المصدر استشعروا صلاحيته للأزمان الثلاثة، وأنه لا اختصاص له بزمان دون زمان فلما لم يتعين لهم زمان حدوثه لعدم اختصاصه بأحد الأزمنة اشتقوا له من لفظه أمثلة يختص كل مثال منها بزمن، ولهذا كانت أمثلة كل فعل منها تختص بزمن منها، وكما أن المطلق يكون أصلا للمقيد يكون المصدر الدال على الزمان المطلق أصلا للفعل الدال على زمان مقيد.
الدليل الثاني: أن المصدر اسم، والاسم يقوم بنفسه ويستغني عن الفعل بدليل أن الكلام المفيد قد يتركب من الأسماء وحدها، كقولك: «زيد قائم» فأما الفعل فلا يقوم بنفسه وإنما يقوم بالاسم، ولا يستغني عن الاسم، بدليل أن الكلام المفيد لا يتركب من الأفعال وحدها، ولا شك أن ما يقوم بنفسه ويستغني عما عداه يكون أصلا لما لا يقوم بنفسه ولا يستغني عن غيره، فيكون المصدر أصلا للفعل.
الدليل الثالث: أن المصدر يدل بدلالة المطابقة على شيء واحد وهو الحدث، والفعل يدل بدلالة المطابقة أيضا على شيئين وهما الحدث والزمان، ولا شك أن الواحد قبل الاثنين، فيكون ما دل على واحد قبل ما دل على الاثنين، فيكون المصدر قبل الفعل.
الدليل الرابع: أن المصدر لو كان مشتقا من الفعل لكان ينبغي أن يكون له صيغة واحدة، وكان يجري على سنن واحد، كما أن المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول لما كانت مشتقات كان لكل منها صيغة واحدة، وجرى كل واحد منها على سنن واحد، ألست ترى أننا نقول: كل اسم فاعل فعله ثلاثي يكون على زنة فاعل، وكل اسم مفعول فعله ثلاثي يكون على زنة مفعول، وهلم جرا، والمصدر تختلف صيغته مع استواء الأفعال في عدة الحروف، فلما رأينا اختلاف صيغ المصادر مع اتحاد الأفعال في عدة الحروف علمنا أن الفعل ليس أصلا للمصدر. -