هذا باب المفعول المطلق
= فأما قول الكوفيين: «إن المصدر يعتل لاعتلال الفعل ويصح لصحته» فإنا لا نسلم أن الاعتلال في المصدر بسبب اعتلال الفعل، وإنما الاعتلال لطلب المناسبة والمشاكلة في المادة الواحدة، وكم من صيغ أعلت لاعتلال صيغة أخرى، وليس إحدى الصيغتين أصلا للأخرى، ألا ترى أن «يعد، ويصف» قد أعلّا بحذف الواو لوقوع هذه الواو بين ياء مفتوحة وكسرة، وقد أعل «أعد، وتعد، ونعد» طلبا لمشاكلة «يعد» ولم يقل أحد إن «يعد» أصل لنحو «أعد، ونعد، وتعد» ثم ألا ترى أن «أكرم» الفعل المضارع الذي ماضيه «أكرم» قد أعل بحذف الهمزة لاستثقال اجتماع همزتين في أول الكلمة إذا قلت «أأكرم» وقد أعل بحذف الهمزة أيضا، يكرم، ونكرم، وتكرم» طلبا لمجانسة، «أكرم» إذ ليس في مجيئها على الأصل ما يستكره، ولم يقل أحد إن «أكرم» أصل ليكرم ونكرم وتكرم فدل ذلك وما أشبهه على أن اعتلال كلمة لمجانسة كلمة لا يدل على أن إحدى الكلمتين أصل للأخرى.
وأما قول الكوفيين: «إن الفعل يعمل في المصدر فيجب أن يكون الفعل أصلا» فكلام لا يقضى العجب منه، فإن كون الكلمة عاملة في كلمة أخرى لا يدل على أن الكلمة العاملة أصل للكلمة المعمول فيها، وانظر فيما نلفت نظرك إليه، فقد عمل اسم الفاعل في المصدر نحو قوله تعالى: {وَالذَّارِياتِ ذَرْواً} وقوله سبحانه: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} ولم يقل أحد إن اسم الفاعل أصل للمصدر، وقد عمل اسم المفعول في المصدر نحو قولك: «أنت مطلوب طلبا شديدا» وقولك: «زيد ممدوح مدحا» ولم يقل أحد إن اسم المفعول أصل للمصدر، وقد عمل الفعل في الأسماء الجامدة كثيرا نحو قولك: «قال رجل» وقولك: «جاء رجل» وقولك: «ركبت فرسا» ولم يقل أحد إن الفعل أصل للأسماء الجامدة التي تقع معمولة له، وقد عملت حروف في أسماء مثل إن وأخواتها ولا النافية للجنس، ولم يقل أحد إن الحروف أصل للأسماء، وقد عملت حروف في أفعال مثل نواصب المضارع ومثل إن الشرطية الجازمة، ولم يقل أحد إن هذه الحروف أصل لهذه الأفعال؛ فالعمل له أسباب غير الأصلية والفرعية.
وأما قولهم: «إن المصدر يذكر تأكيدا للفعل؛ فيدل ذلك على أن الفعل أصل للمصدر لأن رتبة المؤكد - بكسر الكاف - بعد رتبة المؤكد - بفتح الكاف -» فهذا أيضا كلام عجيب غاية في العجب، لأن كون الكلمة مؤكدة لكلمة أخرى لا يدل على أصالة ولا فرعية، ونحن نعلم أن التوكيد على ضربين توكيد لفظي بتكرار اللفظ بعينه أو بمرادفه، ويقع =