[بيان ما ينوب عن المصدر]
[بيان ما ينوب عن المصدر]
  فصل: ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق ما يدل على المصدر من صفة، ك «سرت أحسن السّير»، و «اشتمل الصّمّاء»، و «ضربته ضرب الأمير اللّصّ»، إذ الأصل: «ضربا مثل ضرب الأمير اللّصّ» فحذف الموصوف ثم المضاف، أو ضميره نحو: «عبد اللّه أظنّه جالسا» ونحو: {لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً}(١)، أو إشارة إليه، ك «ضربته ذلك الضّرب»، أو مرادف له نحو: «شنئته بغضا» و «أحببته مقة» و «فرحت جذلا» وهو بالذال المعجمة مصدر جذل بالكسر، أو مشارك له في مادته، وهو ثلاثة أقسام: اسم مصدر كما تقدم، واسم عين، ومصدر لفعل آخر،
= في الأسماء نحو «جاء زيد زيد» وفي الأفعال نحو «جاء جاء زيد» وفي الحروف «نعم نعم فعلت كذا» وفي الجمل نحو قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ولم يقل أحد إن اللفظ الأول أصل اللفظ الثاني ولا عكسه، وإلا كان اللفظ أصلا لنفسه أو لمرادفه، وهذا مما لا يتصوره أحد.
وأما قولهم: «إنا وجدنا كثيرا من الأفعال ليس لها مصادر إلخ» فإن وجود هذه الأفعال - مع كونها فروعا عن المصادر كما نقول نحن معشر البصريين - لا غرابة فيه، ولا يدل على أن الفعل أصل والمصدر فرع، لأن الفرع قد يستعمل ويكثر استعماله، ويهجر الأصل ويهمل فلا يكون له ذكر، ولا يخرج الأصل بذلك عن كونه أصلا، ولا الفرع عن كونه فرعا، فإنا نعلم أن الجمع فرع عن المفرد، وكم من الجموع قد استعملت ولم تستعمل مفرداتها، نحو أبابيل، وعباديد، وشماطيط، ومحاسن، وملامح، فهذه جموع لم نجد في كلام العرب لواحد منها مفردا، ومن ذكر من النحاة لواحد منها مفردا فإنما ذكره على قياس نظائره في الزنة، ولم يذكره على أنه سمعه من العرب المحتج بكلامهم، ولم يمنع وجود هذه الجموع من غير وجود مفردات لها من أن يظل المفرد أصلا والجمع فرعا عليه، وأيضا قد وجدنا مصادر لا أفعال لها مثل قولهم: ويحه، وويله، وويبه، وويسه، وأهلا، وسهلا، وأفة، وتفة، فما كان جوابا لكم على وجود هذه المصادر بدون أفعال فهو جواب لنا على تلك الأفعال من غير وجود مصادر لها.
وبعد، فقد أطلت عليك هذه المسألة، ليكون هذا البحث تدريبا لك على المناقشة واستخراج الأدلة ورد ما ترى رده منها، على أن يكون أخذك وردك راجعا إلى دراسة دقيقة وتتبع للأدلة وإقرار للصحيح منها.
(١) سورة المائدة، الآية: ١١٥.