هذا باب المستثنى
  فحمل «تغيّر» على «لم يبق على حاله» لأنهما بمعنى.
= الوتد: معطوف على النؤي، والمعطوف على المرفوع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله: (إلا النؤي والوتد) فإن الظاهر أن الاستثناء تام موجب: أما تمامه فلذكر المستثنى منه وهو المنزل، وأما كونه موجبا فلأنه لم يتقدمه نفي ولا شبهه، فكان على مقتضى هذا الظاهر - وجريا على مذهب جمهور النحاة - ينبغي نصب المستثنى، إلا أنه ورد مرفوعا.
وقد خرجه الجمهور على المعنى، وحاصله أنهم يمنعون كون الكلام موجبا، ويزعمون أنه منفي؛ لأن المنفي ليس قاصرا على ما يكون قد سبقته أداة نفي، بل هو أعم من ذلك. ومنه أن يكون العامل في المستثنى منه في معنى عامل آخر منفي، والأمر هنا كذلك، فإن (تغير) - وهو العامل في ضمير المنزل الذي هو المستثنى منه - في معنى عامل آخر منفي، وهو (لم يبق على حاله) وهذا العامل الآخر لو كان هو المذكور في الكلام لكان المختار ارتفاع المستثنى، فكان لما هو بمعناه حكمه.
ومن العلماء من ذهب إلى أن (إلا) في هذا البيت ونحوه حرف بمعنى لكن التي للاستدراك، وما بعدها مبتدأ حذف خبره، وكأن الشاعر قد قال: لكن النؤي والوتد لم يتغيرا، وقد تحدثنا عن ذلك في الكلام على مذاهب النحاة في نصب الاسم الذي يقع بعد إلا، بعد كلام تام موجب، وروينا لك عدة شواهد ورد فيها الاسم مرفوعا، ونزيدك هنا أن ابن مالك يقول في التوضيح: (إن أكثر المتأخرين من البصريين لا يعرف في هذا النوع إلا النصب، وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء، ثابت الخبر ومحذوفه؛ فمن الثابت الخبر قول ابن أبي قتادة: (كلهم أحرموا إلا أبو قتادة لم يحرم) فإلا بمعنى لكن. وأبو قتادة مبتدأ، ولم يحرم: خبره، ومن المحذوف الخبر قول النبي ﷺ: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون، أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون» اه. مع إيضاح يسير.
ومن هذا الوادي قول أبي نواس:
لمن طلل عافي المحلّ دفين ... عفا آية إلّا خوالد جون
وتقديره: لكن خوالد جون لم تعف.
وقد جعل العلماء جملة هذا المبتدأ وخبره في محل نصب على الاستثناء، وصرح ابن هشام بأنه قد فات العلماء عد هذه الجملة في الجمل التي لها محل من الإعراب.