هذا باب المستثنى
  وإن كان الكلام غير موجب: فإن كان الاستثناء متصلا فالأرجح اتباع المستثنى للمستثنى منه: بدل بعض عند البصريين، وعطف نسق عند الكوفيين(١) نحو: {ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}(٢)، {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}(٣)، {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(٤)، والنّصب عربيّ جيّد، وقد قرئ به في السبع في:
  {قَلِيلٌ} و {امْرَأَتَكَ}.
  وإذا تعذّر البدل على اللفظ أبدل على الموضع(٥)، نحو: «لا إله إلّا اللّه»،
(١) قد اختلف الكوفيون والبصريون في هذه المسألة، فقال البصريون: الاسم الواقع بعد إلا بعد كلام تام منفي إذا أتبع لما قبله فهو بدل بعض من كل، وقال الكوفيون: إن إلا حرف عطف بمنزلة لا العاطفة التي تعطي لما بعدها ضد حكم ما قبلها، والاسم الذي بعدها معطوف عطف النسق بإلا على الاسم الذي قبلها، وقد كان أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب - وهو من شيوخ نحاة الكوفة - يعترض على مذهب البصريين في هذه المسألة ويقول: كيف يكون بدلا وهو موجب ومتبوعه منفي، وكأنه ينكر أن يخالف البدل المبدل منه في الإيجاب والنفي، وقد أجاب أبو سعيد السيرافي على هذا الكلام بأنا إنما جعلناه بدلا مما قبله في عمل العامل فيه، وتخالف البدل مع المبدل منه في النفي والإيجاب لا يمنع البدلية، لأن سبيل البدل أن يجعل المبدل منه كأنه لم يذكر ويجعل البدل في موضعه، لأنه هو المقصود بالحكم، ثم إنا رأينا التوابع تختلف مع متبوعها في النفي والإثبات، من ذلك النعت في نحو قولنا: (مررت برجل لا كريم ولا لبيب) ومن ذلك العطف ببل ولا ولكن، نحو (رأيت رجلا كريما لا بخيلا) فما يمنع أن يكون البدل مثل النعت والعطف، على أنا رأينا ذلك التخالف واقعا في البدل نفسه، أفليس بدل البعض يخالف المبدل منه على وجه الإجمال؟ وقد قالوا: مررت برجل لا زيد ولا عمرو، وهذا يتعين أن يكون بدلا؛ لأن لا العاطفة لا تتكرر، فلما امتنع أن يكون عطفا تعين أن يكون بدلا، وهذا واضح إن شاء اللّه.
(٢) سورة النساء، الآية: ٦٦.
(٣) سورة هود، الآية: ٨١.
(٤) سورة الحجر، الآية: ٥٦.
(٥) ذكر المؤلف مما يتعذر إبداله على لفظ المبدل منه لسبب صناعي ثلاثة أمثلة الأول كلمة التوحيد، وهي قولنا: (لا إله إلا اللّه) والثاني قولك: (ما فيها أحد إلا زيد) =