هذا باب المستثنى
= والثالث قولنا: (ليس زيد بشيء إلا شيئا لا يعبأ به) الأول والثاني يرفع ما بعد إلا، والثالث بنصب ما بعد إلا، ونحن نبين لك كل مثال من هذه المثل على حدة، ونبين لك السر في وجوب الاتباع في كل منها على محل المتبوع، وعدم جواز الاتباع على لفظ المتبوع.
أما المثال الأول - وهو قولنا: (لا إله إلا اللّه) - فإن لا في أول هذه الجملة نافية للجنس، وإله اسمها، وخبر لا هذه محذوف، والتقدير: لا إله موجود، أو لا إله لنا، واسم لا وخبرها المقدر نكرتان على ما هو ملتزم في إعمال لا النافية للجنس عمل إن، وأنت تعلم أن ما بعد إلا الاستثنائية يكون حكمه من جهة النفي والإثبات ضد حكم ما قبلها، فإذا كان ما قبلها منفيا كان ما بعدها مثبتا وإذا كان ما قبلها مثبتا كان ما بعدها منفيا، فلو أنك أبدلت كلمة الجلالة - وهي «اللّه» - من اسم لا وهو (إله) على اللفظ - أي نصبت اسم الجلالة - كنت قد أعملت لا النافية للجنس في معرفة، بل في أعرف المعارف، فخالفت بهذا ما اشترطه النحاة كلهم في عمل لا عمل إن من وجوب تنكير معمولها، وأيضا فإن ما بعد إلا في هذه الجملة مثبت، وقد علمت أن (لا) النافية للجنس لا تعمل في مثبت، فإتباعك على لفظ المتبوع الذي هو أثر عمل لا يجرك إلى مخالفة هذا الأصل زيادة على أنه جرك إلى المخالفة الأولى، ومن أجل هذا وذاك منعناك من أن تبدل لفظ الجلالة على لفظ المبدل منه وهو اسم لا، وجوزنا لك أن تبدل على الموضع لأنه ليس أثرا من آثار لا فيلزم فيه ما لزم في معمول لا، وذلك أن اسم لا أصله مبتدأ، والمبتدأ مرفوع بالابتداء، فلو أبدلت لفظ الجلالة بالرفع لم تكن جعلت للا فيه عملا، وعلى ما يقول سيبويه إن لا واسمها جميعا في قوة المبتدأ، فالموضع ههنا رفع بالابتداء على واحد من الوجهين، وليس للا أثر فيه، فأبدل بالرفع على الموضع، ومن العلماء من أنكر الإبدال بالرفع على اعتبار الابتداء، سواء أنظرنا إلى اسم لا وحده وأن أصله مبتدأ، أو نظرنا إلى مجموع لا مع اسمها كما هو رأي سيبويه، وهؤلاء جعلوا المبدل منه هو الضمير المستتر في خبر لا، ومؤدى العبارة، لا إله لنا إلا اللّه، أو لا إله موجود إلا اللّه، أو لا مستحق للعبادة إلا اللّه، فقد نفت جملة لا واسمها وخبرها جنس الآلهة، وأثبت البدل اللّه وحده، فبقي الكلام دالّا على التوحيد.
وأما المثال الثاني - وهو قولنا: (ما فيها أحد إلا زيد) - فإن المستثنى منه في هذا المثال - وهو أحد - نكرة منفية مجرورة بمن الزائدة لفظا، وهي مبتدأ خبرها الجار والمجرور الواقع بعد حرف النفي، فلو أنك أبدلت زيدا المعرفة بالعلمية من أحد على لفظه - وهو -